الخبز قبل البارود.. واشنطن تخطئ عنوان بغداد

TT

تلح الإدارة الأميركية في ايجاد المبررات الكافية لتوجيه ضربة عسكرية للعراق في اطار حملة مكافحة الإرهاب. ومع تنامي مؤشرات مضي واشنطن قدما في الإعداد لعملية عسكرية ضد نظام صدام، تشارك بغداد بـ«تصرفاتها الاستفزازية» في تشجيع ادارة بوش على تبني هذا الخيار، وتقويض المحاولات العربية لتفادي توجيه ضربة جديدة للشعب العراقي. وليس أدل على ما تشارك به بغداد في الحملة ضد الشعب العراقي مما تناقلته وكالات الأنباء أمس عن التصرف غير المسؤول الذي أقدم عليه وزير الخارجية العراقي ناجي صبري الحديثي الذي سار بقدميه على صورة الرئيس بوش. وهو على أية حال ليس الأول، ولن يكون الأخير في سلوكيات بعض أركان النظام الذين يتصورون أنهم يقدمون أنفسهم قادرين على تحدي القوة العظمى الأولى في العالم.

الضربة الأميركية المحتملة تختلف في أهدافها عن سابقاتها، اذ ان هدفها ليس تحييد الدفاعات الارضية العراقية، وتدمير قدراته على اعتراض طائرات المراقبة واعمال الدوريات الجوية التي تمسح سماء العراق يوميا ليلا ونهارا، وانما تضع إسقاط النظام ضمن أولوياتها. وهو ما يتطلب ضربات قوية، ومدمرة لا بد أن يكون لها ضحاياها من بين ابناء الشعب العراقي الذين لا يجدون ما يأكلون ناهيك من التفكير في إسقاط النظام، او القيام بثورة عليه.

ومع ان تجربة الإدارة الأميركية في تبني بعض المعارضين العمل على اسقاط نظام بغداد لم تحقق نجاحا يذكر، وتواجه صعوبات في التوفيق بين تطلعات واشنطن، ومقدرات مجموعة محدودة الإمكانات، معزولة عن الارض التي يفترض ان تخوض معركتها ضد النظام عليها، فإن طرح خيارات أكثر فاعلية لم يجد آذانا صاغية. وترفض واشنطن ومعها بعض اطراف المعارضة بحث فكرة رفع العقوبات جزئيا عن العراق، وهي التي يمكن ان تساهم في خلق ارضية مناسبة لانتفاضة شعبية في ظل الاوضاع المضطربة التي يمكن ان تصنعها الضربات الجوية الموجعة. الا ان ما سيحدث في الواقع هو اعمال شغب فوضوية تستهدف النهب والسلب للحصول على لقمة العيش، ولن تضير النظام في شيء، اذ انه سرعان ما يستطيع السيطرة عليها، بالدفع بالجيش الى الشارع لقمع الخارجين عن سلطة النظام.

البارود لن يسقط نظام صدام من الداخل، وانما الخبز، وبالخبز وحده يمكن ايقاظ المشاعر التي اخفاها البحث اللاهث عن البقاء على قيد الحياة. والبحث في براغ، ولندن عن وسيلة لإسقاط النظام ضرب من المبالغة، وأمل مضلل أخطأ الطريق الى بغداد.