تعاون دولي لمواجهة إرهاب متعولم

TT

الارهاب ظاهرة ليست حديثة، فقد لجأت اليها جماعات كثيرة في مراحل مختلفة من التاريخ لتحقيق اهدافها بالعنف والترويع، لكن عمليات الارهاب في اواخر القرن العشرين ومطلع القرن الحالي اخذت بعدا غير مسبوق، مستفيدة من العولمة التي جعلت العالم اشبه بقرية صغيرة. قبل ثورة الاتصالات كان تأثير الاعمال الارهابية محدودا، اولا: من حيث انحصارها في الاطار الجغرافي المحدود الذي تتعامل فيه، وثانيا: بحكم ان وسائل الاتصالات لم تكن بهذا التطور، فلم يكن العالم يعرف عن بعضه البعض الكثير، او ان المعلومات كانت تصل متأخرة، وثالثا: لم يكن الوعي الانساني قد وصل الى المفاهيم التي تبدو اقرب الى الاساسيات اليوم، خصوصا من حيث نبذ العنف وترويع المدنيين واستخدام القتل العشوائي وسيلة لتحقيق غايات سياسية. وكما استفادت اسواق المال والمستثمرون والكثير من البشر من عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات وسهولة السفر والانتقال والتعرف في نفس اللحظة على مدار الاربع والعشرين ساعة على ما يحدث في مكان يبعد آلاف الكيلومترات عن المتلقي، فقد استفادت ايضا الجماعات التي تتبنى الارهاب وسيلة لتحقيق اهدافها من ادوات العولمة، بل لعلها كانت اسبق من غيرها في الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات في تسيير اعمالها، مثلها مثل عصابات الجريمة المنظمة وتجار المخدرات. في هذا السياق، يمكن القول ان موضوع الندوة، التي تبدأ غدا في الرياض، والتي تنظمها اكاديمية نايف للعلوم الامنية تحت عنوان «الارهاب في عصر العولمة» بمشاركة مسؤولين امنيين عرب واساتذة جامعات وخبراء، يكتسب اهمية بالغة في فهم وتحليل ظاهرة تصاعدت خطورتها الى درجة انها اجبرت العالم على تغيير اجندته بعد الهجمات الارهابية التي استهدفت الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) الماضي، وبعدما افاق كثير من المجتمعات على حقيقة الخطر الذي تمثله جماعات، صحيح ان حجمها السياسي الفعلي محدود للغاية، وهذه هي سمة الجماعات المتطرفة عموما، لكنها عمدت الى تعويض هذا الحجم المحدود باعمال ترويع غير مسبوقة من حيث حجم الدمار واعداد القتلى من الابرياء. ورغم ان عددا من الدول العربية عانى من الارهاب المتعولم في السنوات العشر الماضية، وحاولت عدة عواصم عربية التنبيه الى ابعاد الظاهرة وخطورتها، فإن التعامل العالمي مع هذه الموجة الجديدة من الارهاب لم يكن جديا من قبل الكثير من الدول التي تصورت ان المشكلة محلية وتخص المنطقة العربية. بيد ان هذا ليس وقت تبادل الانتقادات، بل هو وقت حشد الامكانات وتضافرها في تعاون دولي فعال لمحاصرة الارهابيين وعدم منحهم اي مأوى، خصوصا بعدما ثبت للجميع كيف يمكن للارهاب ان يروع العالم كله.