السعودية وإيران في مواجهة العاصفة

TT

حادثة السفينة التي تقول اسرائيل انها ارسلت من ايران لصالح السلطة الوطنية الفلسطينية، وزيارة شمعون بيريز للهند لدعمها في موقفها من باكستان، وانتقاد بوش لايران باتهامها بمحاولة زعزعة حكومة حامد قرضاي المؤقتة في كابل، والحملة الشعواء التي تشنها اقلام يهودية ضد السعودية في الاعلام الامريكي، ودخول تركيا على الخط بشأن قلعة أجياد، كلها نذر عاصفة خطيرة جديدة تلوح في سماء المنطقة.

اعمدة العالم الاسلامي وقواعده الحصينة كلها مشمولة بهذه الزوبعة، فالسعودية وايران واندونيسيا وتركيا والعراق وسوريا وباكستان ومصر، هي الدول الكبرى في العالمين العربي والاسلامي، وكلها اما خارج المعادلة، او في الطرف الآخر منها، او تتعرض لأشد الضغوط.

لقد خسرت باكستان حليفها في كابل بعد انهيار حكومة حركة طالبان وجاءتها حكومة من تحالف الشمال والبشتون (الليبراليون) تعتبر اسلام أباد سببا رئيسيا في مآسي السنين الست الماضية. وها هي تلكم الدولة المسلمة الكبيرة تتعرض للضغط والابتزاز من قبل الجار الهندي العملاق، الذي يمتلك ترسانة عسكرية تضم في ما تضم مليونا ومائتي ألف عسكري (ضعف عدد القوات الباكستانية)، بالاضافة لما يزيد على 900 طائرة عسكرية مقاتلة (ضعفا ما لدى باكستان) و16 غواصة وحاملة طائرات، وصواريخ عابرة بعيدة المدى واسلحة نووية، كما تتعرض لضغوط امريكية وبريطانية واسرائيلية لاضعافها وارغامها على التخلي عن دعم قضية كشمير وتقليص الدور السياسي لها في جنوب آسيا، وهي ضغوط بدت تعطي اكلها كما اوضح الرئيس برويز مشرف في آخر خطاب متلفز للأمة.

في الوقت نفسه تتعرض السعودية لحملة اعلامية متزايدة تحاول التدخل، حتى في مناهج التعليم وخطب المساجد، تمارسها دوائر صهيونية في أمريكا وأوروبا، في محاولة لاضعاف واحد من اهم مرتكزات الموقف العربي المؤيد للقضية الفلسطينية. ويدخل الاتراك، الذين يعتبرون أكبر حليف لاسرائيل بعد امريكا على خط الحملة بحجة الدفاع عن قلعة عثمانية في ضواحي مكة، وهم الذين طمسوا كل معلم اسلامي او عربي في بلادهم، وداسوا على كل القوانين والاعراف الانسانية في قبرص، وفي ديار بكر، حيث يعيش 20 مليون كردي تحت وطأة العساكر الذين يحكمون باسم الديمقراطية التركية.

ليس غريبا، اذاً، ان يبدو التقارب بين الرياض وطهران بارقة الامل الوحيدة في جمع بعض اجزاء الامة المبعثرة، ومحاولة لاستعادة التوازن للمحافظة على كينونتها وخصوصياتها ومصالحها الحيوية، وابعادها عن احتمالات التحلل والتعرض للاستفراد والابتزاز.

* علاقات متغيرة

* شهدت علاقات البلدين مراحل من المد والجزر، واستمرت المرحلة الاخيرة حتى انتصار الثورة في ايران، مثلت خلالها الرياض وطهران القطبين المتساندين في منطقة الخليج للوقوف في وجه المد الشيوعي، الذي كان يحاول الوصول الى المياه الدافئة في الخليج كما كان يقال، منطلقا من قواعده في القوقاز، او من خلال الاحزاب الحاكمة في بعض جمهوريات العالم العربي التي كانت على ارتباط وثيق بموسكو في الستينات والسبعينات، وبمجيء الثورة في ايران بدت بوادر الجزر في العلاقة بين البلدين، ووصلت ذروة ترديها في الثمانينات، خلال الحرب العراقية ـ الايرانية، وكادت الشرارات التي اشتعلت في مكة المكرمة ومياه الخليج وجزره ان تزج بالبلدين في مواجهة شاملة.

وبانتهاء حرب الخليج الاولى، واجتياح الدبابات العراقية للكويت، بدأت المياه بين السعودية وايران بالعودة الى بعض مجاريها، وبدأ الطرفان يتعاونان في قضايا الاقتصاد والامن، حيث توجت بالتعاون ضمن منظمة الاقطار المصدرة للنفط OPEC للمحافظة على سقف انتاج يضمن استقرار سعر البرميل الى ما فوق 20 دولارا، كما توجت بتوقيع الاتفاقية الامنية بين البلدين.

كنت ممن حضر قمة المؤتمر الاسلامي في طهران في ديسمبر 1997، وشاهدت عن قرب مقدار الحفاوة والاهتمام البالغين اللذين احاطا استقبال القيادة الايرانية لولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز، الذي ترأس وفد بلاده للمؤتمر. ومن يومها بدأ التقارب بين البلدين، حيث قام الرئيس الايراني السابق، هاشمي رفسنجاني، بزيارة السعودية، وتم تبادل المشاورات والتقارب بين أهم دولتين في منطقة الخليج، ولا زال التقارب مستمرا، كما رأينا في زيارة مهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الايراني للسعودية في الشهر الماضي، وصدور بيان مشترك في كل من طهران والرياض مدافع عن الأمة الاسلامية وقيمها التي تتعرض للتشويه في الاعلام الغربي اثر احداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) الماضي.

ولا شك ان قيادة البلدين تعرف حجم المسؤولية الضخمة الملقاة على عاتقها لكي تتدارك التداعيات الخطيرة للهجمات على نيويورك وواشنطن، وما تحمله في طياتها من أخطار جسيمة على قضايا الأمة المصيرية ومستقبلها ومصالحها الحيوية.

* مصالح مشتركة

* ان اهمية موقع كل من السعودية وايران، يعني ان الامة الاسلامية بكل اطيافها تستفيد من تقارب هاتين الدولتين وتركيزهما على الاخطار والمصالح المشتركة، في عالم يعج بالمؤامرات والتكتلات. وبالتالي فان مهمة اسرائيل واعوانها، سواء اكانوا في اوروبا او امريكا او نيودلهي او انقرة، في النيل من الامة العربية والاسلامية، ستكون صعبة اذا اتفقت طهران والرياض على استراتيجية تحاشي الفتنة ولم الشمل، لكي تمثل العاصمتان مع القاهرة ودمشق حزاما لحماية القضية المركزية في فلسطين، ولمنع الابتزاز الغربي من ان يحول الخليج والشرق الاوسط الى ميدان معركة تجول فيه اسرائيل وتصول، ويدفع مواطنوه ثمنا باهظا.

العالم اليوم يختلف عنه يوم 10 سبتمبر 2001، فهناك حقائق جديدة ونيات واستراتيجيات جديدة، ونحن مطالبون بالتعامل مع العالم على أساس هذه الحقائق المستحدثة.