النموذج الأفغاني للحكومات «الشعبية»

TT

«ان هدف امريكا البعيد من وراء الحملة الواسعة ضد طالبان والقاعدة في اطار برنامج مكافحة الارهاب ليس محاربة الاسلام، بل الحاق الهزيمة بالاسلام السياسي، وهي قد دفعته الى العزلة وحشرته في الزاوية وفي موقف دفاعي مترد بالفعل. وبالتالي فإن واشنطن واياً تكن نتائج معركتها فوق الارض الافغانية فإنها لن تعتبر انها انجزت مهمتها تماماً ما لم تسو أمورها مع طهران واسلام آباد وحزب الله في لبنان والحركة الاسلامية الفلسطينية، بل حتى السلطة الفلسطينية وايضاً العراق».

هذا الكلام للدكتور أمين صيقل وهو بروفيسور افغاني متخصص في الشؤون العربية والاسلامية في احدى الجامعات الوطنية الاسترالية، وقد ورد كلامه في اطار محاضرة القاها في مركز الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية في طهران.

ويضيف الدكتور صيقل ان تفكير «الرزمة» الامريكي للمنطقة ناتج عن ان الاسلام السياسي والاسلام المقاوم في المنطقة عموما لا يقبل بالهيمنة الامريكية وبالتالي فهو يشعر بتحدي الوجود الامريكي الحالي في افغانستان والذي يفترض ان يتحول الى وجود دائم يزاحم اي مشروع اقليمي يحمل في طياته تحالفات «مناطقية» أو «كتلوية» تهدف للحد من الهيمنة الامريكية على ثروات المنطقة الاساسية لا سيما النفط والغاز والمعادن الثمينة التي تزخر بها آسيا المركزية والقوقاز.

الذين سمعوا تحليلات الدكتور أمين صيقل توقفوا عند نقطة «التحالفات المناطقية والكتلوية» وفهموا منها بان الوجود الامريكي فوق افغانستان والعديد من القواعد العسكرية التي باتت فعالة لصالح المشروع الامريكي الآنف الذكر في كل من طاجيكستان واوزبكستان وكازخستان واذربيجان في مرحلة قادمة انما يقصد منه على المدى البعيد ليس فقط تسوية حساب واشنطن مع عواصم المنطقة الاسلامية، بل واحتواء الهند ذات المليار ونيف وتطويق المليار صيني باعتبارهم قوة اقتصادية صاعدة بامكانها ان تزاحم المشروع الامريكي في مجمل القارة الآسيوية بل، وفي العالم بشكل عام.

فمن المعروف مثلاً بان طهران تراهن كثيراً على التعاون الثنائي مع دول آسيا المركزية التي تربطها معها مجموعة من البروتوكولات الاقتصادية، كما تراهن على مشاريع نقل الغاز الى الهند عبر باكستان وكذلك على المشروع الذي بات يشتهر باحياء طريق الحرير انطلاقاً من التعاون الثنائي مع بكين وامتداداً الى التعاون المتعدد مع مجموعة منظمة التعاون الاقتصادي الاقليمية «المناطقية» التي تضم بالاضافة الى دول «الكومنولث الروسي» الخمس كلاً من افغانستان وباكستان وتركيا والتي تعرف بمنظمة الايكو ECO.

ان تنصب الولايات المتحدة الامريكية «خيمتها»، ان جاز لنا هذا التعبير، في القلب من نقطة تلاقي المليار مسلم والمليار هندوسي والمليار صيني يعني في ما يعني بان خرائط تحالفات المنطقة والعالم القديم في طريقها للتغيير والتبدل بالتأكيد.

مما قاله الدكتور امين صيقل والذي يقع في دائرة المقولات الجديدة التي يمكن ان تتبلور في اللغة الديبلوماسية والسياسية بعد حوادث 11 سبتمبر هو وصفه الشفاف لحكومة قرضاي حيث قال: صحيح ان حكومة قرضاي ليست شعبية ومؤقتة ايضاً وهي لم تأت بالانتخابات لكنها تعمل جادة من أجل الشعب، ومن أجل تخليص الافغان من براثن الحروب الداخلية وحكم البندقية، وهو الامر الذي يمكن ان يجعلها في ما لو نجحت في مهمتها ان تتحول الى حكومة شعبية ودائمة ايضاً».

وهذا يعني في ما يعني بان بالامكان ان تصبح افغانستان نموذجاً مطلوباً لدى البعض في مناطق أخرى وقد يعني ايضاً «هزيمة» مشروع الاسلام السياسي بعد ان شهدت افغانستان هزيمة مشروع، بل مشاريع حكومة المجاهدين» كما يقول الدكتور صيقل.

على أية حال فإن ما جرى ويجري في افغانستان على هامش الحرب العسكرية والامنية والمخابراتية يطرح بنظر المحللين السياسيين والمراقبين للملف الافغاني وملف مكافحة الارهاب بشكل عام، تحدياً حقيقياً اسمه «الحكومات غير الشعبية لكنها الخادمة للشعب» كما يسميها الدكتور صيقل.

أياً كان الموقف من هذا النوع من الحكومات وايضاً الموقف ممن يقف وراءها، فإن القاعدة التي ستحاسب عليها الجماهير أو عامة الناس بتعبير آخر هذه الحكومات، لن تكون نفس القاعدة التي ستحاسب عليها سائر الحكومات سواء تلك التي وصلت للسلطة عن طريق الانقلابات أو الانتخابات. فالحكومات الانقلابية أو الانتخابية عادة ما يكون التوقع منها كثيراً وجذرياً، وبالتالي فانها غالباً ما تسقط من أعين الناس عند أول امتحان عسير. في حين ان هذه الحكومات التي لن تعول عليها الجماهير كثيراً فإنها ستلقى تجاوباً شعبياً مع أبسط امتحان تتجاوزه بامتياز، وهو الامر الذي قد يحولها الى «حكومة شعبية» مشروعة مع الايام.

وفي هذا السياق يعلق صحافي ظريف بالقول: اذا كان الله سبحانه وتعالى يثيب ويعاقب الانسان في يوم القيامة على نياته على قاعدة «انما الاعمال بالنيات» فإن الناس تثيب وتعاقب حكامها على نتائج مشاريعها واعمالها وعلى قاعدة: «انما الاعمال بالنتائج».

ثمة من يذهب بعيداً ويقول بان الامريكيين ربما يحملون في جعبتهم مشروعا أكثر من «حكومة غير شعبية» للمنطقة في اطار معركتهم التي باتت مفتوحة مع كل ما هو لا يتلاءم أو يتماهى مع القراءة الامريكية للعالم بعد 11 سبتمبر، انه تحدي الخرائط والمعادلات وأنظمة الحكم في العالم وليس فقط تحدي الارهاب والموقف من الارهاب.