«خادمتها أحسن منها»

TT

يقول الدكتور احمد البغدادي في «السياسة» الكويتية ان المكتبة العامة لا فائدة منها، لأن الطالب لن يستخدمها، وهو بدلاً من ذلك سيرسل السائق الهندي ليصور له الكتب المطلوبة. وتنشر القارئة سميرة باسم في «الايام» البحرينية رسالة بحرف عريض عنوانها «خادمتي أحسن مني». وتشكو من ان خادمتها تعرف كل ما يسلي طفلتها ويثقفها ويدربها على الرياضات المعقولة التي تجهلها هي جميعاً. وتعرض المسارح اللبنانية باستمرار مسرحيات هزلية قوامها الخادمة السيرلانكية، ومعظم هذه المسرحيات خال من الذوق ومن الابداع ومكرر ويعتبر ان السيرلانكية مخلوقة جاءت الى الوجود لهدفين لا ثالث لهما: اما ان تستعبد في لبنان على يد امرأة سيئة الخلق، او ان تقلدها ممثلة ثقيلة الظل.

لم يعرف العالم العربي ان يميز بين امرين اساسيين: الخادمة والمربيّة. فالبيوت التي كان يتوافر لها المال في اوروبا كانت تأتي لأولادها بالمربية، اولا. وكان يفترض ان تتوافر في المربية شروط المدرّسات والمؤدِبات والخبرة في الآداب وفي الموسيقى وفي قواعد اللياقة واصول المعاملة. وكان يترك للمربية، وليس للخادمة، كل المسؤوليات، اما لأنها تعرف اكثر من الاهل بكثير، واما لأن الاهل كانوا قد عرفوا بدورهم معنى ان تتوافر للطفل مربية حقيقية تعلمه في البيت ما لا يتعلم في المدرسة.

تدفع الام في العالم العربي بأولادها الى مخلوقات فقيرة لا يعرفن شيئاً تعلمنه فكيف يعلمن. ويحكي معظم اطفال لبنان ثلاث لغات متداخلة، هي العربية والانكليزية والفرنسية، بلهجة سيرلانكية مضطربة، ويشكل عدد الخادمات المرافقات، مثل نوع السيارة وطولها ومكانتها الرقمية (5.700، 5000V، 270000B) المرتبة الاجتماعية للسيدة. اما التميز الاجتماعي فيكون بطريقة معاملة السائق ومدى اساءة الخلق والأدب وسوء الطباع. ولست امزح ولا اتجنى. لكن غالباً ما يخامرني شعور بأن المكان الحقيقي لبعض (الحمد لله انهن قلة) المخمليات غير السيدات هو اصلاحية النساء. لأن هؤلاء الفواجر نشأن في بيوت لا مربي فيها ولا مربية، فظنوا العمال خدماً، وظنوا الخدم كلابا. والكلاب تعرف معنى الانسانية اكثر من بعض البشر. واعاهدكم على شيء تحت القسم واليمين: انا لا ادخل الى بيت صديق او «وجيه»، اذا كانت السيدة حرمه من هذا الصنف.

تأتي بعض الخادمات الى لبنان من بلاد آسيوية وهن لا يعرفن ماذا يعني المطبخ او الحمام: من الادغال، الى بيروت. ويأتي البعض الآخر من الفيلبين او مدغشقر وهن يحملن شهادات جامعية في التعليم او في الحقوق. وكلما ارتقى شأن الخادمة ترقى شأن الاطفال. وكلما حسنت معاملتها حسنت اخلاق الاطفال وطباعهم.

واشعر بسعادة حقيقية كلما غبت عن منزل اصدقاء ثم اعود فأرى عاملات المنزل لم يتغيرن، عاماً بعد عام. وكم ارتاح عندما اراهن يبتسمن باستمرار فاعرف انهن يلقين معاملة حسنة. لكن الاتكال على الخادمة او المربية لا يلغي دور الام، كما حدث في العالم العربي، خصوصاً ان دور الأب في المنزل شبه معدوم. فهو اذا كان ميسوراً انصرف يسعى الى المزيد، واذا كان مقهوراً انصرف يكد للوصول الى حال الكفاية. لذا يبقى دور الأم اساسياً كما كان منذ العصر الحجري. فاذا كان الولد حقا «سرّ» أبيه، فانه ايضاً «اعلان» امه وصوغ حنانها وصنع رعايتها. وها هي الامة برمتها توكل كل هذه المسؤوليات الى القادمات من سرنديب. مسكينة سرنديب.