عميد كلية الشريعة وحديث التهلكة

TT

أثار الدكتور عبد الحميد الانصاري، عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة قطر، جدلا برؤيته التي افصح عنها في مقابلة معه نشرتها الزميلة الراية القطرية. وتعليقي هذا يأتي متأخرا الا ان مضامين الحديث تظل حية ومثيرة بخروجها على القوالب المحفوظة في الردود السياسية المرتبطة بالاحداث الحالية. وعميد كلية الشريعة سبق ان خاض معارك فكرية، فكانت آراؤه مختلفة، تراعي حقائق الارض وتنسجم مع التشريع السماوي، وقد اثارت مقالاته تلك اهتمام كثيرين بوضوحها. وهي مثيرة في هذا الوقت الذي صار يستخدم فيه بعض مفكري العلوم الدينية بسبب ضعف علمهم السياسي مخلبا للرافضين. ومنحوهم المقاعد في الصفوف الامامية يتقدمون الصفوف دون فهم لطبائع العلاقات والقضايا المطروحة الا من سياق ضيق موروث عن تصنيف نظر له قبلهم اليسار العربي في الخمسينات والستينات وورثوه عنهم في الثلاثين عاما المنصرمة فطعموه بالشواهد الدينية. وعند الحديث عن المتضلعين في المسائل الدينية، اشار الدكتور الانصاري في حديثه الى أنه لم يتظاهر طالب واحد من كلية الشريعة مؤيدا لابن لادن بسبب مناهجها المنفتحة. والحقيقة التي نلمسها عند مسح ساحة النشطين الجدد، نجد ان خريجي الشريعة في كثير من الدول، لا قطر وحدها، هم اقل المتحدثين والنشطين تطرفا في التفسير الديني لكل مناحي الحياة عند مقارنتهم بطلاب العلوم الدقيقة الذين يتلبسهم التشدد الديني، فخريجو الشريعة هم اكثر تفهما وتسامحا من المتدينين الذين نراهم من كليات علمية مثل الفيزياء مثلا. ولو نظرنا الى رموز الحركات المتطرفة نجد اكثرهم من خارج دور كليات الشريعة، فابن لادن خريج ادارة عامة والظواهري تخصصه الاكاديمي طب. ولا عجب في ذلك، فدارسو العلوم الشرعية هم ايضا على دراية بالتاريخ الاسلامي، الذي هو دليل الواقعية السياسية، ويملكون نظرة عليا تجمع بين قواعد العبادات والمعاملات وظروف التطبيق وفهم واسع لاختلافات التفسير، بعكس اهل التخصصات الأخرى، الذين يلمون من الدين باطرافه فنجد في بعضهم تطرفا اعمى يكفرون الناس. والتاريخ يعيد نفسه، ففي مطلع الاسلام كان الخوارج، اي المسلمون المتطرفون، يكفرون قادة الامة بدءا بالخليفة والعلماء متهمينهم بالتساهل. الدكتور الانصاري الذي يرى ان جانبا كبيرا من الطرح (السياسي) الديني والقومي هو طرح انتحاري مهلك يحث على التحرك، قائلا ان من قلة المسؤولية وعدم الوعي ترك هذا الخطاب الاعمى يقودنا الى التهلكة معصوبي الاعين. وحتى ندرك صحة ما قال عن ما فعلته الاعين المعصوبة يكفي ان ندرس آثار احداث الحادي عشر من سبتمبر، من هو الكاسب ومن هو الخاسر اخلاقيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا. فما نراه من انقلاب في رؤية العالم بجنسياته واديانه ومناطقه ضدنا يوضح مدى التهلكة التي قادنا اليها هؤلاء.