الشعراء في إخوانياتهم

TT

العراق في نهضته الحديثة، شأنه في ذلك شأن معظم الدول العربية الأخرى، مدين لمصر والمصريين بالكثير. أنا واحد ممن تلقوا التعليم على مراحله المتوسطة والإعدادية والجامعية على يد الاساتذة المصريين كألوف المثقفين العراقيين الآخرين. قلما يوجد أحد منا لم يقف وراء تعلمه واحد من أبناء النيل.

كان بين أولئك الاساتذة المصريين من تزوجوا بعراقيات كأستاذي مصطفى كامل، ومن تولهوا بالعراق فكتبوا الكثير عنه كزكي مبارك. صاحب «ليلى المريضة في العراق»، ومن تعلقوا ببغداد إلى حد أن قضوا حياتهم فيها كعبد المنعم مرسي، ومن دخلوا الإسلام تأثراً بالعراق كرياض رأفت، ومن تركوا انطباعاً كبيراً على الحياة الأدبية في بغداد كبدوي طبانه. عاد إلى مصر، لكن قلبه ظل بين اصدقائه من شعراء بغداد وأدبائها.

ارتبط الدكتور بدوي طبانه بصداقة حميمة مع الشاعر خالد الشواف. كان يقضي جلّ وقته معه ويتجول بسيارته المستهلكة «التاونس»، كثيراً ما كانت تتعطل في أحرج المواقف وأصعب الأماكن. فينزل الدكتور طبانه ليدفعها ويستنجد بأهل الخير ليساعدوه على دفعها. أخيراً اضطر الشاعر إلى بيعها والتخلص منها، فكانت مناسبة لبدوي طبانه، ليتكلم بلسانها عما عانته في بيت الشواف وما لاحظته فيه من سوء المنقلب وصاحبها، أبو وليد، لا يعنيه من أمرها أو أمر أولاده وأسرته غير انشغاله بالشعر.

صاحبي أضحى جواداً جوده بالجود أزرى يملأ الآفاق ذكرا يطعم الضيفان شعرا ويح قلبي «لوليد» سيد الفتيان طرا صار كالسيف نحولا بعدما قد كان بدرا يحتسي في الصبح شطرا ويلوك الظهر شطرا فإذا جاء عشاء فالقرى عشرون بحرا من خفيف وطويل جاء موزونا وحرا من قطاف الفن أثرى شاد في بغداد قصرا لا تقل اهرام مصر لا تقل إيوان كسرى! لسيارات الأدباء حكايات طريفة، فهي دائما تتمرد عليهم في أحرج المواقف وتسيء الأدب مع المتعاطين بالأدب. ربما انها تعرف زيفهم أكثر مني، فهذا ما كانت تفعله ايضا سيارة محجوب ثابت التي أوحت لأحمد شوقي بتلك القصيدة الساخرة الخالدة:

لكم في الحظ سيارة حديث الجار والجاره اذا حركتها مالت على الجنبين منهاره وقد تحرن احيانا وتمشي وحدها تاره ولا تشبعها عين من البنزين فواره ولا تُروى من الزيت وإن عامت به الفاره ترى الشارع في ذعر إذا لاحت من الحاره وصبيان يضجون كما يلقون طياره فقد تمشي متى سارت وقد ترجع مختاره قضى الله على السواق ان يجعلها داره فيقضي يومه فيها ويلقى الليل ما زاره