لو خرجنا من جلودنا

TT

من طرائف التراث ان تاجرا مروزيا ـ أي من اهل مرو في بلاد فارس ـ كان يتوقف للاستراحة في طريق تجارته بين فارس والحجاز عند صديق له في كوفة العراق، وكان صديقه هذا يؤويه ويكرمه ويجلي عنه وعثاء السفر بجميع انواع الراحة والمتعة، وكان لسان التاجر لا ينفك يلهج بكلمات الشكر والمديح والثناء لصديقه، ويتمنى عليه لو طلب منه اي شيء مقابل كرمه هذا، فكان الكوفي يأبى ان يأخذ مقابل قيامه بواجبه لصديقه، فردد التاجر امنية خاصة يتمنى فيها عليه لو يزوره يوما في مرو لعله يرد له بعض جميله، او ان يعبر له عن العرفان والشكر والامتنان لما قام به صديقه الكوفي تجاهه.

ودارت الايام، وشحت مواردها، وأحكمت عوائد الدهر على الكوفي طوقها، فتذكر صاحبه المروزي التاجر، وألحت عليه زوجته ان يسافر اليه ويطلب منه ما يعينه على اعباء الزمان حتى تنفرج ضائقته، فركب راحلته، وسار اياما وليالي طويلة حتى وصل الى مرو، وسأل عن صاحبه، فكان الاستدلال عليه سهلا كونه من كبار تجار المدينة واثريائها، فوجده جالسا بين صحبه في مجلس، فألقى عليه السلام بحرارة، ولكن المروزي رد التحية بطريقة من لم يعرف ملقيها، فقال الكوفي في نفسه، لعل اللثام هو الذي حال بين صاحبي ومعرفتي، فأماطه، فلم يعرفه المروزي، فقال لنفسه لعلها القلنسوة (طاقية للرأس)، فنزعها فلم يعرفه صاحبه، فقال لعلها الجبة (أي الجاكيت)، فنزعها، فلم يعرفه، فقال لعله القميص، فهمّ بنزعه فبادره المروزي قائلا له: «على رسلك يا هذا، فو الله لو خرجت من جلدك ما عرفتك».

تذكرت هذه القصة، ونحن نشهد الطرف الفلسطيني في النزاع العربي ـ الاسرائيلي، وقد سلم «الخيط والمخيط»، كما يقول المثل، فوقع أوسلو، ووافق على خطة ميتشل ومشروع تينيت، واوقف العمليات العسكرية ضد اسرائيل، واعتقل احمد سعدات، الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بناء على طلب اسرائيل، وألقت السلطة بكل من يعارض «عملية السلام» في السجون، وكانت بيانات الادانة للعمليات العسكرية الفلسطينية اسبق من بيانات الادانة الاسرائيلية نفسها، ولكن ذلك كله لم يرض اسرائيل الشارونية، وسوف تستمر في غيها، وبدأ كثيرون ممن راهنوا على «سلام الشجعان»، يلبسون ملابسهم التي «شلحوها» كي تتعرف عليهم اسرائيل وتسالمهم، ولكن اسرائيل لن تعرفهم حتى و«ان خرجوا من جلودهم».