رسالة دولية لواشنطن

TT

لم تسمح مشاغل الرئيس جورج بوش بحضوره جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي في نيويورك. ولكنه سيفعل خيرا اذا تأمل الرسالة التي بعث بها المؤتمر باسم بعض صناع القرار السياسي والاقتصادي على المستوى العالمي. وهي رسالة بسيطة: تتمتع الولايات المتحدة اليوم بموقع قيادي نادرا ما توفر لقوة واحدة في تاريخ العالم. ولكن الامر الذي يدعو الى الاسف هو ان الولايات المتحدة لا تمارس هذا الدور القيادي في كثير من المواقع التي تكون الحاجة فيها ماسة لممارسته. والنتيجة هي هذا الشعور الطاغي بالعداء لاميركا لدى فئات متباينة من اليساريين الذين يغلبهم الحنين الى الماضي، والمتعصبين دينيا والمثاليين السذج.

ينظر المعارضون الى منتدى دافوس باعتباره منبرا لكبار الرأسماليين والدائرين في الفلك الاميركي. ومع ذلك فان هذا المنتدى شهد هذا العام نقدا عنيفا للسياسات الاميركية في الشرق الاوسط وازاء البيئة وحرية التجارة.

واللافت أن رد الفعل الاميركي ازاء هذا النقد كان الاستخفاف به واستبعاده باعتباره مزيجا من الغيرة والجهل والتحامل من قبل الاخرين. وتحاول وسائل الاعلام الاميركية ان تنشر الوهم القائل بان العالم كله معاد لاميركا. ولا يستند هذا الوهم الا على مغالاة شوفينية، فمع ان هناك بعض المعادين المحترفين لاميركا، أي اولئك الذين يتخذون من العداء لاميركا آيديولوجيا لهم، الا ان هناك متسعاً من النوايا الحسنة تجاه الشعب الاميركي والثقافة الاميركية على نطاق العالم كله.

ولكن التعاطف لا يلغي النقد من مواقع الصداقة لهذا الجانب او ذاك من جوانب السياسة الاميركية. وعلى سبيل المثال، فان التأييد غير المشروط من قبل حكومة بوش لأرييل شارون، يعد امرا خاطئاً مهما تعددت زوايا النظر اليه. وهذا التأييد يغذي الوهم الخطير، داخل اسرئيل، بانها يمكن ان تفرض نفسها على فلسطين وعلى الشعب الفلسطيني، بالقوة والارهاب. كما يغذي العداء لاميركا وسط الجماهير العربية والمسلمة، ويغضب المتعاطفين مع معاناة الشعب الفلسطيني في كل انحاء العالم.

وليس اقل من ذلك خطأ اهمال الادارة الاميركية وتجاهلها الصريح لاقوى حلفائها ومن ضمنهم اعضاء حلف شمال الاطلسي (الناتو). ويبرز الان نمط معين للسلوك في تفرد الولايات المتحدة باتخاذ كل القرارات الهامة، مما يؤدي الى تهميش دور الدول الاوروبية الاعضاء فيه. اجتمع صناع القرار من 120 بلدا ليقولوا للولايات المتحدة من نيويورك: نحن اصدقاؤك يا اميركا، فاستمعي الينا من فضلك، وشاورينا في الامر، واعملي على تخفيف التوترات في كل انحاء العالم، ما دام ذلك ممكنا وميسورا.

حبذا لو تسمع واشنطن الى هذه الرسالة المفعمة بالصداقة.