بوش في مرآة الصحافة الإسرائيلية

TT

يبدو ان تحالف الولايات المتحدة في محاربة الارهاب في طريقه الى التفكك إن لم يكن قد تفكك بالفعل نظراً لمحاولة انفرادها بتعريف الارهاب وفقاً لمن هم معها ومن هم ضدها، ليس في سياق الارهاب وانما في اطر السياسات المختلفة معها. وكذلك في عزمها على اتخاذ القرارات منفردة في ضرب من تشاء، اعتماداً على قوتها العسكرية غير عابئة بالحلفاء ولا المؤسسات الدولية، وهي من هذا المنظور ستفقد ميزة القطبية الواحدة لقاء ميلاد قسري لعالم متعدد الاقطاب، كما سيخسر العالم الحرب الكونية التي اعلنتها الولايات المتحدة ضد الارهاب ويخشى ان تزداد بؤر الارهاب في العالم نتيجة لاعتماد الولايات المتحدة القوة وحدها وبمفردها ضد ما تسميه بالارهاب. وخطاب حالة الاتحاد الذي اذاعه الرئيس جورج بوش وهو يتحدث عن امبراطورية الخير التي يقودها مليء بالمفردات التي تتحدث عن تفرد الولايات المتحدة مما جلب الكثير من النقد لاميركا في الكثير من اجهزة الاعلام الغربي على وجه الخصوص.

اما امبراطورية الشر فقد خص بالاسم منها ايران والعراق وكوريا الشمالية وتجاهل تماما حل القضية الفلسطينية واضاف حركات «حماس» و«الجهاد» و«حزب الله» الى قائمة المنظمات الارهابية، واضيفت لاحقاً القوة 17 المكلفة بحماية الرئيس الفلسطيني الذي هو سجين رام الله بأوامر من شارون ومباركة ضمنية من الولايات المتحدة رغم احتجاج واستنكار الاتحاد الأوروبي الذي هو الحليف الاساس لاميركا.

لقد حاولت اميركا بكل ثقلها ومعها شارون اختصار القضية الفلسطينية كلها في ياسر عرفات بحسبانه فقد مصداقيته بسبب سفينة الاسلحة التي تحمل خمسين طناً، وانها تدل على عدم جديته في السلام وأكثر من ذلك يصنف كواحد من داعمي الارهاب الى آخره من الاتهامات، بينما تقصف الطائرات الاباتشي والـ اف 16 الاميركية الصنع كل يوم عشرات الاطنان من القنابل على شعبه الاعزل، فتدمر ما شاء لها تدميره فلا تردع اميركا اسرائيل أو حتى تدين، والأنكى انها لا تسكت بل تصرح بان ما يفعله شارون هو دفاع عن النفس! والآن يعلن بوش في خطابه الأخير ان هذه المنظمات التي تدافع ضد الاحتلال هي منظمات ارهابية يجب على عرفات السجين تفكيكها!! ومما يعني ايضا الخلط الاميركي المتعمد بين الارهاب ومقاومة الاحتلال.

مما لا شك فيه ان الولايات المتحدة تعتبر ان الاعلام العربي يشوه صورتها ويعبئ العالم العربي كي يكرهها ولذلك تسعى عبر خبراء العلاقات العامة لتحسين صورتها وتسعى ايضاً لخلق اعلام مرئي ومسموع ومقروء بالعربي ليدحض هذا الاعلام المتحامل عليها! ولكن ما رأي الولايات المتحدة لو احلناها هذه المرة الى قراءة الاعلام الاسرائيلي في اكثر الصحف انتشارا عسى ان تجد في صدقه صورتها الحقيقية فتعتدل قليلاً في تعاملها مع القضية الفلسطينية وتتبين خطل رأيها في صناعة اعلام عربي يزين صورتها التي لا تطاق في العالمين العربي والاسلامي وحتى لدى قطاع كبير من الاسرائيليين! لقد نشرت صحيفة «يديعوت احرونوت» في عدد 1/30 نص الرسالة التالية: «نحن ضباط وجنود احتياط مقاتلون في جيش الدفاع الاسرائيلي، ممن تربينا في حضن الصهيونية والتضحية والعطاء لشعب اسرائيل ودولة اسرائيل، وخدمنا دوماً في الخط الأول، وكنا الأوائل في تنفيذ كل مهمة، سهلة كانت أم صعبة بغية الدفاع عن دولة اسرائيل وتعزيزها.

نحن ضباط وجنود مقاتلون خدمنا دولة اسرائيل على مدى اسابيع طويلة كل عام، رغم الثمن الشخصي الباهظ، وكنا في خدمة الاحتياط في كل ارجاء الضفة الغربية وتلقينا أوامر وتعليمات لا تمت لأمن الدولة بأي صلة.

نحن الذين ندرك اليوم ان ثمن الاحتلال هو فقدان الطابع الانساني للجيش الاسرائيلي وإفساد المجتمع الاسرائيلي برمته، الذي نعرف ان الضفة الغربية ليست اسرائيل. ان الذي رأينا بأعيننا هو ثمن الدم والنار الذي يجبيه الاحتلال، نعلن بهذا اننا لن نشارك في حرب سلامة المستوطنات.

لن نواصل القتال خلف الخط الاخضر بهدف السيطرة والطرد والهدم والاغلاق والتصفية والتجويع والاهانة لشعب بأكمله.

اننا نعلن بهذا اننا سنواصل الخدمة في الجيش الاسرائيلي، في كل مهمة تخدم الدفاع عن دولة اسرائيل. اما مهمة الاحتلال والقمع فلا تخدم هذا الهدف ونحن لن نشارك فيها. الموقعون 50 ضابطا وجندياً قتالياً في الاحتياط».

ونحن اذ نهدي هذه المذكرة المحترمة للادارة الاميركية نشير ايضا الى ما نشرته صحيفة «هآرتس» في 1/30 ايضا تحت عنوان «كان الاجدر ببوش لو بعث ميتشل لتطبيق خطته بدلاً من اغراقنا في كل هذا الهراء»، وقالت عن الموقف الاميركي: «انه يعزز الارتباك ويقترب من انعدام المسؤولية، ففي الدائرة المغلقة للوبي اليهودي، المنظمة التي غدت يمينية وصقرية، وصف انتوني زيني عرفات بزعيم المافيا، ومع ان مسيرة حياة زيني السابقة تتحدث عن تعرفه في حي فقير في فلوريدا على هوامش الجريمة فقد أخطأ كثيرا في هذا القول: فكيف يمكنه ان يواصل الوساطة بين الطرفين؟ فالجنرال المنضبط ما كان ليجرؤ على ان يختار أوصافه على هذا النحو لو لم يستمد اسلوبه من رئيسه بوش» وختمت الصحيفة مقالها «أو لم يكن بوش أكثر جدوى لو انه بعث الى هنا صاحب الخطة جورج ميتشل ذاته ـ والقى الى الخطوة الدبلوماسية المتجددة بكل ثقله وذلك بدلا من اغراقنا في الهراء عن بشاعة الارهاب، فيما يتواصل سفك الدماء في الساحات، وتحوم روح اليأس فوق الهاوية». اما صحيفة «معاريف» فكتبت في ذات اليوم ايضاً مقالاً عن المجتمع اليائس من الوضع الأمني والاقتصادي، بينما الحكومة تدعي البهجة وجاء في آخر سطرين في المقال «هذه ليست بهجة وزير الدفاع بن يمين بن اليعازر انها دوي يأس لمجتمع يشعر بنفسه مثل قطيع بلا راع، محاط بذئاب مجنونة».

ترى ما الذي يمكن ان نقوله نحن في الاعلام العربي حتى نكون صادقين مع الولايات المتحدة ورئيسها بوش؟ الا يكفي بوش وادارته ان يعير اذنيه وعينيه ليقرأ ويسمع ما نقلنا شطراً منه من الصحف الرئيسية الاسرائيلية، ثم يتذكر انه رئيس اكبر دولة في العالم وما ينبغي له ان يتبع رئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون الذي يوصف في العالم بانه اكبر ارهابي وكيف انه عبر عن أسفه أخيراً بانه لم يقتل عرفات عندما اجتاح جيشه لبنان عام 1982. وكيف يسمح بوش لنفسه بان يكرر بصورة ممجوجة ما يصفه باكاذيب عرفات، وينسى ان شارون كتب عنه رئيسه ومعلمه بن غوريون بانه كذاب أشر! وتأدبا لا نريد التحدث عن كم مرة خدعتنا الولايات المتحدة بوعود براقة لحل القضية الفلسطينية ثم ادارت ظهرها كما يفعل بوش الآن.. وكم مرة قيل لنا هذه سنة الانتخابات الاميركية فاصبروا لاننا بحاجة الى اصوات اليهود!.. وهذه واحدة من سنوات الانتخابات النيابية والتي ستليها ستكون التحضيرية للانتخابات الرئاسية الجديدة. ولا شك ان مثل هذه الاعذار لا تتناسب والهالة التي تحيط بمكانة الدولة العظمى في العالم.

والغريب في الأمر ان الرئيس بوش فاز رغم ان أكثر من ثمانين في المائة من اليهود صوتوا ضده. وظن الكثيرون انه سيعمل على تخليص اكبر دولة في العالم من هذا الاخطبوط الذي يقزم من ريادتها ومسؤوليتها في قيادة العالم فاذا به يتهافت عليها على نحو غير مسبوق، الامر الذي يهدد مكانة القطبية الاحادية ويقدح في مصداقية قيادتها للعالم، خاصة انه ينجرف وراء سياسة مجرم حرب لا يحظى باحترام كل اليهود المستنيرين والراغبين في السلام. ويرجح ان انجرافه وراء شارون لن يكسبه الانتخابات القادمة وقد يساهم بقدر وافر في ان تتضافر القوى العالمية في خلق عالم متعدد الأقطاب.