عودة اليمن إلى الجغرافيا

TT

اخيرا نجح اليمن في فتح باب دخول مجلس التعاون الخليجي المشكل من 6 دول ليبدأ، بعد قرارات القمة الخليجية الاخيرة في مسقط، الانضمام الى بعض مؤسسات دول المجلس في عملية دخول تدريجية الى هذا التكتل الاقليمي الذي اكمل اكثر من عقدين من عمره كانت مسيرته فيها بطيئة لكنها ثابتة في وجه العواصف الاقليمية والدولية والخلافات الداخلية خاصة في قضايا الحدود.

واليمن له تجاربه السابقة في الدخول في تكتلات اقليمية كان آخرها مجلس التعاون العربي قصير العمر الذي ضم اربعة اطراف هي اليمن والعراق والاردن ومصر لم تكن اهدافها واضحة، سوى انها كانت كما يبدو محاولة لتشكيل تكتل ردا على تكتلات اخرى مشكلة بصرف النظر عن حقائق الجغرافيا والمصالح ومزاج الشعوب، وانهار المجلس تحت وطأة العاصفة التي احدثتها حرب الخليج وتباين المواقف.

وكانت تلك الحرب، بما صاحبها من مواقف سياسية، سببا في فتور العلاقات استمر لسنوات ليست قليلة بين اليمن ودول التعاون الخليجي بدرجات متفاوتة.

لكن يسجل للسياسة اليمنية انها عملت بدأب خاصة بعد احداث الحرب الاهلية في 1994 وما احدثته هي الاخرى من تداعيات في اتجاه ردم الفجوة مع الدول الخليجية الاخرى الشريكة في الجوار الجغرافي والامتداد الاقليمي والعرقي. ولم يكن ذلك سهلا، فقد استغرق سنوات من الجهد، وقابله من الجانب الآخر جهد مماثل كان آخره توقيع اتفاقية الحدود مع السعودية.

ولم يكن سهلا على دول مجلس التعاون فتح الباب لعضوية دولة سابعة، صحيح انها جزء من الجزيرة العربية لكنها مختلفة سياسيا واقتصاديا ما لم يكن المجلس قد رتب اوضاعه الداخلية، ولم يكن ممكنا فتح الباب قبل تسوية مشاكل الحدود بين اليمن وجيرانه وداخل مجلس التعاون نفسه، وهو ما حدث بالفعل من خلال التسوية التي حدثت للنزاع على الحدود البحرية بين قطر والبحرين.

قد تكون البداية جزئية وغير مرضية لبعض الاطراف في اليمن التي كانت تطالب بعضوية كاملة على الفور، لكن التدرج فيه جانب كبير من الحكمة حتى تكون العضوية الكاملة بعد ذلك على اسس ثابتة، ففي التكتلات الاقليمية في عالم اليوم يعتبر الجانب الاقتصادي هو الوجه الحقيقي لها والاساس الصلب الذي تبنى عليه المواقف السياسية، وتجربة انجح التكتلات العالمية ـ الاتحاد الاوروبي ـ نموذج على الاخذ بمبدأ التدرج في دخول الاعضاء الجدد والتزامهم بشروط اقتصادية وقانونية وسياسية حسب معايير متفق عليها. وليس هناك خطأ او خطر في ذلك طالما ان عامل الجغرافيا والمصالح، لا الشعارات، هو الذي يحكم المواقف.