الألفة وكائنات الشجن

TT

حبيبي أطفأ المصباح وانطفأت مرارته على بدني وأيقظ حزنه وأراق من عينيه في وسني فأيقظني ومد جناحه المحطوم من حولي وعانقني ووشوش صوته المنغوم في أذني يؤرجحني أليف حتى الثمالة صلاح عبد الصبور، ومسكون بحزن شفيف يثري الروح، ولا يؤذيها، وكذلك عدلي رزق، فتخيل سعادتك حين تجد كتابا لقصائد صلاح عبد الصبور مرسوما بريشة عدلي المغمسة ببهاء الألفة.

أحيانا ـ وهذه ليست مبالغة ـ أحس ان الطبيعة ناقصة لانه ليس فيها مثل زهور الليل التي يرسمها عدلي في مائياته، فلمخيلة هذا الفنان وروحه الفائضة بالحب والمودة لكل كائنات الكون طريقة خاصة في التعبير عن اعمق المشاعر بأقل الضربات، وعذرا، فضربة ريشة تعبير لا تليق بمائيات عدلي التي يرسمها بروحه، ويتوجها بذاك السحر الذي يتراقص بين اضلاع مثلث الوجود، المرأة، والمعبد والطبيعة.

ولا أظن ان فنانا خطر له ان يرسم كائنات الشجن قبل عدلي رزق الله الذي جسد في مجموعة متتاليات تلك الكائنات العجيبة فجاءت كحناء على ساق حسناء وكوشم اسطوري على كتف انثى شاسعة الفتنة تأخذك الى آخر المتاهات قبل ان تهديك بوصلة روحها.

ونساء عدلي فيهن شيء من جنيات البحر ولمسات من دفء نساء رينوار المتدثرات باللدانة والطراوة والنعاس، ولوحة المرأة والمعبد التي استلقت بدلال قرب قصيدة «الشمس والمرأة» لصلاح عبد الصبور ثم ظهرت ثانية مع قصيدة «لحن» أخت شقيقة لكائنات الشجن ولزهور الليل اللتين يسرح فيهما البنفسج على مداه، ويصدح الأزرق ثم تأتي تلك اللمسات الدافئة بالأصفر الحارق، فتغار، لا لأن الاصفر لون الغيرة بل لقدرة بعض الفنون على ان تسقي عينك، وتشنف أذنك وتأخذ قلبك في رحلة من البوح الحميم المضمخ بالريحان والمسربل بشذى الياسمين.

والكتاب من دون عنوان ولا يزين غلافه غير اسم الشاعر والفنان، ولو سألني عدلي ان اختار عنوانه لما وجدت غير تعبير «ألفة مقطرة» فهذان الكائنان الأليفان اللذان يجتمعان بين دفتي كتاب يخدران الحس بماء الطيبة، فلا تدري أكبت ذاك الذي ينتج كائناتهما الأنثوية أم إشباع..؟ أم ان المسألة أعمق وأبعد من جوع مستتر، وشهوة لتبديل طبيعة الكائن قبل لمسه...؟ وهو سؤال طالما شغل صلاح عبد الصبور: يا جسمها الأبيض قل أأنت صوت..؟ والجسد في مائيات عدلي ليس صوتا واحدا بل سيمفونية تتداخل فيها المتناقضات ويوحدها الهارموني، وهي كزهور ليله وكائنات شجنه ليست من طينة أجساد نعرفها بالأنامل بل نقاربها من خلال شهوة الخلق والمخيلة بحرير الروح.

وغالبا ما تتداخل الانثى بالوردة ومرجان أعماق البحر، لتشع بطريقة لا يتقنها إلا من يعجن روحه بألوانه.

ألم أقل لكم انه معجون بالألفة هذا المجنون الذي يحيل الأصباغ الصماء الى مسك وحرير، وموسيقى تشربها الروح قبل ان تصغي إليها الاذن أو تتصفحها العيون.