ماذا يحدث في المعتقل؟

TT

يقال انها اطول فترة للرئيس الفلسطيني على ارض بلاده منذ عودته وبقية الرفاق من تونس ارض المنفى. ويقال ايضا انها كانت الامتحان الكبير للفلسطينيين، اتباعه وخصومه على السواء، في التعامل مع غياب القيادة حيث ان ابو عمار كان دائما يدير بنفسه كل شيء كما كان زعيم تنظيم فتح يوم كان صغيرا. ويقال ان غيابه فتح الباب للحديث عن مستقبل القيادة مع الاعتراف بان احتجازه الحالي لن يلغي قيادته بل سيعززها. فالحديث عن قيادة القضية، وقيادة المعركة داخل الاراضي المحتلة، وقيادة الفلسطينيين في الحقيقة هو شأن داخلي لكل الدول العربية المواجهة منها والمساندة والمتفرجة ايضا.

ماذا سيحدث لو كان الغياب حقيقيا؟ ماذا سيحدث للقضية؟ هل سيخطفها احد المتطرفين ويشعل حربا في المنطقة لا قبل لأحد على خوضها؟ اليس صحيحا ان العرب ساندوا حركة فتح ثلاثين عاما على حساب بقية الفصائل الفلسطينية لان ابو عمار شخصيا كان اكثر القادة المتنافسين اعتدالا وعقلانية؟ فهل فتح اليوم هي السلطة الفلسطينية، وهل حماس هي مثل الجبهة الشعبية سابقا؟ لا اعتقد ذلك، ففتح وان كانت العصب الاساسي للسلطة تمولها بالموظفين وبالقاعدة الشعبية فانها ظلت فصيلاً لم ينم، وتسبب ارتباطها بالسلطة مباشرة في تركها تواجه النقد العريض من الفلسطينيين، كما ان حماس اصبحت اكثر شعبية من كل الفصائل الفلسطينية الاخرى. وبالتالي لم تعد المعادلة كما كانت زمن منظمة التحرير في المنافي، ولم تعد الحركة الفلسطينية خاضعة لنفوذ السياسة العربية الخارجية التي دعمت فتح وثبتت عرفات في الماضي.

ومع مرور الوقت وهرم القيادة الفلسطينية وعجزها عن تثبيت نظام ديمقراطي يحميها مستقبلا من تدخلات الاسرائيليين، ومن تنازع الرفاق على السلطة، فان الاحتجاز الاسرائيلي لابو عمار وضع العرب جميعا امام الخطر المقبل، خطر اختطاف القيادة الفلسطينية، من طرف غير مرغوب فيه كاسرائيل التي تستطيع ان تحجز وتضغط وتقبل وترفض، ومن خطر نفوذ اطراف فلسطينية ربما تهدد التوازن الاقليمي القائم اساسا على الحسابات العسكرية مع اسرائيل.

كان الامل في الماضي ان تصبح السلطة الفلسطينية دولة وقيادة بحلول العام الماضي وفقا لاتفاق اوسلو ومن ثم الانتهاء من المخاطر المرتبطة بالموضوع الفلسطيني. لكن الاسرائيليين الذين ظلوا رافضين لفكرة العودة الى حدود ما قبل حرب يونيو 67 كاملة جعلوا الامر صعبا على الجميع، عربا وفلسطينيين. اضاع الاسرائيليون عشر سنوات من المساومات التي فشلوا في كسب التنازلات الارضية وعجزوا عن حل ازمتهم الامنية. ومع ضعف القيادة الفلسطينية ستتعب اسرائيل نفسها التي تحاول ان تقنع العالم من جانب بسوء ابو عمار ومن جانب آخر تحارب البدائل الفلسطينية الاخرى مثل حماس والجهاد! وما فعلته اسرائيل بضرب البنية الاساسية للقيادة الفلسطينية من مواقع امنية ومكاتب ادارية ووسائل خدماتية واعلامية يحير المشاهد، لماذا تفعل اسرائيل ذلك ولصالح من؟ انها لا تريد ان تتولى ادارة الاراضي المحتلة وشؤون الفلسطينيين وهي عاجزة عن ايقاف الانتفاضة وعاجزة عن ضمان الامن ورافضة لابو عمار ورافضة لفتح وحماس والجهاد.