فن خسارة الأصدقاء

TT

هناك حقيقتان: الاولى انه ليس هناك عربي يقبل ضرب العراق. لا من اميركا ولا من بريطانيا. ولا من كوستاريكا. ومهما اختلفت او تراوحت درجة الموقف من النظام العراقي وسياساته وحروبه، فان احداً لا يخلط بين اخطاء النظام وبين براءة الشعب العراقي وكرامته ومعاناته وآلامه المزدوجة وازدواج الأسر والحصار. هذه حقيقة. الحقيقة الاخرى ان النظام العراقي لا يكف عن ارتكاب الاخطاء، ليس في حق خصومه او اعدائه او المحافظات التي ابت اغراء راتب 75 ديناراً شهرياً لقاء سيادتها واستقلالها وحريتها، وانما في حق آخر حلفائه وبقايا مناصريه.

لقد شتم العراق فرنسا شتما مقذعاً ومحقراً عندما لم تستطع الاستمرار او الصمود في موقفها الى جانبه بسبب الضغوط الاميركية والاطلسية والاوروبية والداخلية. وخصوصا الداخلية. نسي ان فرنسا كانت حليفته السياسية وشريكته الاقتصادية. ونسي ان جاك شيراك يتعرض دائما لحملات داخلية بدعوى انه اسس «العلاقة الخاصة» مع العراق. واستخدمت «الديبلوماسية العراقية» في الكلام عن فرنسا تعابير ومصطلحات «اذاعية» طازجة من براد الشتم العربي.

واذا كانت الديبلوماسية العراقية تدرك اي شيء، فهي اكثر من يعرف واكثر من يدرك مدى رغبة فرنسا في ان تبقى شريكة العراق الاولى. وقبل ايام غادر طارق عزيز موسكو غاضباً محتجاً على التقصير الروسي حيال الرغبات التي حملها الى الكرملين. وجميعنا نعرف ان طارق عزيز ليس ديبلوماسياً مبتدئاً ولا سياسياً ناشئاً. انه ديبلوماسي قدير وسياسي يعرف ماذا تعني مصالح الدول ويعرف محدوديات القوة حتى لو كانت الدولة الاتحاد الروسي. او الاتحاد السوفياتي. فقد جرب هو نفسه نجدة موسكو ايام غورباتشوف وعرف اين تصل قوة موسكو واين تقف. ومع ذلك ارادت بغداد مرة اخرى ان تؤدب دولة مثل روسيا وان تعلمها ماذا عليها ان تفعل وكيف يجب ان تكون سياستها الخارجية، ولماذا عليها ان تفك الشراكة مع اكبر دولة في العالم لكي تقف الى جانب دولة معزولة ومحاصرة ومطوقة بجميع انواع قرارات مجلس الامن.

بتصرف غاضب الغى العراق الدولتين الوحيدتين اللتين وقفتا معه الى اقصى ما تسمح ظروفهما الداخلية والدولية. وتصرفت بغداد على اساس ان باريس وموسكو كانتا مجرد عاصمتين على لائحة المدفوعات والآن تمردتا. وبهذا الالغاء لم يعد للعراق داعم دولي واحد سوى الصين وخبرائها. لكن الصين عند الحاجة سوف تسبق اميركا كما سبقتها في وضع الشروط والمواصفات لاستقبال العرب بعد 11/9.

العراق يتصرف وكأن كل هذه الدول الكبرى مجرد طفل شرير اخذ منه لعبته. او مجرد موظف لديه قرر الاستقالة للعمل في شركة اخرى. وهو لا يعبر عن مرارته من تصرفات حلفائه ومواقفهم بضبط النفس وضبط ردة الفعل بل باللجوء الى القاموس المعد لتحقير الاخرين. لقد تحمل العراق في عز عزلته عبء صداقة سلوبودان ميلوشيفتش وفلاديمير جيرونوفسكي، من اجل شق نوافذ العزلة. ثم مرة واحدة رمى من النافذة، فرنسا وروسيا. ومتى؟ بعد 11/9.

وفي الوقت الذي يحدد جورج بوش «محور الشر» ماراً من جانب ارييل شارون وهو يحييه ويرفع له قبعته. فما علاقة عام من التنكيل والضرب والقصف ومواكب الاكفان بالشر؟