ضحايا الإرهاب في الجزائر

TT

كانت الأيام الثلاثة التي أمضيتها في الجزائر مشاركا في اجتماع «الفيدرالية العالمية لجمعيات ضحايا الارهاب» للحوار حول موضوع «الارهاب ظاهرة شاملة عابرة للقارات» .. أياما ذات طابع خاص، فقد حرصت السيدة «سعيدة بن حبيلس» رئيسة المنظمة الوطنية لضحايا الارهاب على أن يكون الاجتماع بعيدا عن مشاركة الرسميين حرصا منها على أن يكون تعبيرا صادقا عن نشاط المجتمع المدني في الجزائر، ولذا لم توجه الدعوة الى أي وزير أو مسؤول في الحكومة الجزائرية رغم أنها كانت وزيرة للضمان الوطني عدة أعوام في التسعينات ثم أصبحت بعد ذلك نشطة في ميدان العمل الأهلي وبناء المجتمع المدني، وكان المشاركون من أعضاء البرلمانات والمنظمات غير الحكومية القادمين من 25 بلدا عربيا وأوروبيا وآسيويا واميركيا، والذين يمثلون منظمات غير حكومية تهتم بقضايا التضامن وحقوق الانسان، ومقاومة الارهاب ورعاية الاسرة والمرأة والطفل بعيدا عن الاحزاب السياسية والخلافات الايديولوجية.

وهكذا نجحت السيدة «سعيدة بن حبيلس » الحائزة جائزة الأمم المتحدة للمجتمع المدني عام 2001 في أن تعطي المؤتمر طابعا خاصا لا يتأثر بالتوجهات أو المسؤوليات الرسمية أو الحزبية، وقد وضح ذلك منذ اللحظة الأولى للهبوط في مطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة، فقد كان في استقبالنا بعض أسر ضحايا الارهاب في الجزائر من السيدات اللاتي ترملن أو الابناء الشباب الذين فقدوا الأباء، وكانوا جميعا من المنتمين الى المنظمة الوطنية لضحايا الارهاب التي اختارت لها شعارا هو «وفاء وصمود وتضحية» وحكمتها هي «انقاذ الوطن» وهدفها هو سن قانون خاص من أجل الحفاظ على ذاكرة الشهداء والدفاع عن الحقوق المعنوية والمادية لضحايا الارهاب ومعالجة الاضرار الناتجة عن الاعمال الارهابية.

وهذه الجمعية الجزائرية اعتقد انه ليس لها نظير في الدول العربية، لأن الجزائر قد انفردت بأنها أكثر الدول العربية تضررا من الارهاب، فقد بلغ عدد الضحايا حتى الآن ما يزيد عن مائة ألف رجل وامرأة وطفل، ولذا تشكلت هذه الجمعية التي تضم اسر الضحايا الذين يصل عددهم الى حوالي نصف مليون شخص تقريبا، وقد بادرت الجمعية بعقد هذا المؤتمر غير المسبوق ليعبئ جماهير الشعب الجزائري في مواجهة الارهاب وتثبيت قواعد المجتمع المدني ويربط الأزمة بالمنظمات الدولية المهتمة بهذه القضية، وأخيرا ليكون حافزا ونقطة انطلاق لتشكيل جمعيات أهلية لضحايا الارهاب في الدول العربية والاسلامية التي أضيرت من الارهاب بطريقة أو أخرى ثم انجلت نهائيا من أرض الجزائر، وأن بعض القوى التي تدعى انها اسلامية مازالت تسلك اسلوب العنف والارهاب بطريقة وحشية غير انسانية عندما تغتال وتذبح النساء والاطفال.

وكان عدم نجاح قانون الوئام المدني الذي صدق عليه الشعب بأغلبية ساحقة في تحقيق اغراضه الانسانية والوطنية واستمرار عمليات الاغتيال التي تطالعنا بها الانباء كل يوم، والتي تصادف وقوع حادث منها في الجزائر العاصمة يوم افتتاح المؤتمر يوم السبت 26 يناير 2002، كان ذلك دافعا الى عقد هذا المؤتمر الدولي الذي أجمع الحاضرون فيه من مختلف الجنسيات على عدة قضايا يمكن تلخيصها في ما يلي:

أولا: أهمية أن يكون هناك تعريف محدد للارهاب لا يختلط مطلقا مع حق الشعوب في النضال من أجل تحرير أرضها خاصة في فلسطين حيث يجمح ارييل شارون ومعه الحكومة الاسرائيلية في استخدام أبشع وسائل العنف، وقد شاءت الظروف ان أكون على المنصة في احدى الجلسات مع السيدة «آن ماري ليزين» عضو مجلس الشيوخ البلجيكي والتي أكدت لي أن شارون لابد أن يحضر أمام المحكمة البلجيكية وإلا فانه سيمنع من دخول بلجيكا نهائيا وهو أمر يسيء الى سمعته الدولية.

ثانيا: مقاومة أن يصبح الارهاب ظاهرة دولية عابرة للقارات كما حدث في تنظيم القاعدة الذي ضم عناصر من مختلف الجنسيات وهو أمر يحتاج الى مقاومة دولية أيضا خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر التي رفعت الستار عن تنظيمات الارهاب الدولي التي تشكلت في ظروف ساعدتها فيها بعض أجهزة الأمن في الدول الغربية خلال فترة الحرب الباردة.

ثالثا: السعي من أجل عقد مؤتمر دولي لمقاومة الارهاب تتحدد فيه واجبات ومسؤوليات جميع الدول في التعامل مع الارهابيين والمنظمات الارهابية داخل أو خارج الحدود على أسس المساواة الشاملة وعدم التفرقة في المعاملة، وتترسخ فيه المبادىء والأسس التي تعتبر ضرورية لمقاومة الارهاب ومنها تأكيد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان.

وأخيرا فإن اجتماع الفيدرالية العالمية لجمعيات ضحايا الارهاب هو خطوة هامة في طريق تسليط الضوء على مأسي عائلات الضحايا والدعوة الى تشكيل منظمات غير حكومية في جميع الدول التي تعرضت للارهاب أو مازالت تتعرض له.