الجزائر.. عقد من الطوارئ

TT

مع شروع الجزائر في التحضير للانتخابات العامة المقرر اجراؤها في يونيو (حزيران) المقبل، حدث ارتفاع واضح في مستوى العنف الذي ظل يسود البلاد منذ بداية التسعينات. وربما كان من قبيل المصادفة ان عنتر الزوابري، احد ابرز قادة الجماعة الاسلامية المسلحة، قد قتل رميا بالرصاص في معركة حدثت في الذكرى العاشرة لفرض حالة الطوارئ في البلاد. والرسالة التي يمثلها هذا الحدث برمزيته المكثفة لا تخفى على احد، وهي ان العنف والقمع توأمان سياميان.

وتدل كل المؤشرات على ان الزوابري كان يقود مجموعة معزولة، ينقصها أي برنامج سياسي عقلاني. وقد ظهر ذلك من ردود الفعل الذي صدرت اثر موته، اذ ان الجبهة الاسلامية للانقاذ نفسها وصفت موته بانه «تطور ايجابي».

نظمت الجزائر خلال العقدين الماضيين، دورتين للانتخابات العامة، ودورتين للانتخابات الرئاسية والبلدية. وفي كل هذه المرات كانت فترة التحضير تتميز بارتفاع حاد في نشاط المنظمات الارهابية، من جانب، وفي نشاط قوات الامن من الجانب الآخر. وليس من الصعوبة بمكان الاستنتاج بأن ارتفاع معدلات العنف في هذه المراحل بالذات كان الهدف منه دائما عرقلة العملية الانتخابية.

وحتى بعد مرور عشر سنوات على اختيار الجزائر السير في الطريق الديمقراطي المحفوف بالمخاطر والعقبات، فان بعض الاصوات القوية في المؤسسة الحاكمة ما تزال تعبر عن عدم ارتياحها للسير في هذا الطريق. وقد ارتفعت تلك الاصوات أخيرا منادية بتأجيل انتخابات يونيو المقبل. وينادي آخرون همسا بالغاء الانتخابات وليس فقط تأجيلها، وتمديد فترة البرلمان الحالي لعامين آخرين. وحجة هؤلاء واولئك هي ان الدورات الانتخابية المتوالية لم تفلح في وضع حد للارهاب واعمال العنف، وان الطريق الوحيد للانقاذ الوطني هو «القبضة الحديدية» في مواجهة كل انواع المعارضة للنظام.

ان شعب الجزائر وقادتها، يجب ألا يعيروا هذه الاصوات ادنى اهتمام. صحيح ان الارهاب ما يزال يشكل معضلة كبرى في الجزائر، ولكنه لم يعد القضية المركزية في السياسة الجزائرية، ولم يعد في مقدور الارهابيين زعزعة الامن في البلاد، مهما تمادوا في نشاطاتهم الارهابية، انهم ببساطة اخلوا مواقعهم في المجرى العام للسياسة الجزائرية.

ان مشاكل الجزائر الاساسية هي النهضة الاقتصادية، والتخفيف من المظالم الاجتماعية، وتفكيك التحالفات الاقتصادية والسياسية الشبيهة بتكوينات المافيا، وتطوير مؤسسات جديدة بدلا من كل ذلك. هذه المشكلات لا يمكن التصدي لها ومعالجتها الا في سياق الشفافية وفي ظل حكومة مسؤولة امام الشعب، وهذا ما توفره الانتخابات.