ماذا بعد لقاء بوش وشارون؟

TT

الآن، وبعد مقابلة الرئيس الامريكي جورج بوش لرئيس وزراء اسرائيل للمرة الرابعة منذ انتخابه رئيسا للجمهورية، يمكن القول ان الامور في القضية الفلسطينية قد بدأت تتضح معالمها في المستقبل القريب بما يوجب حسن التعامل معها على أساس من النضج والواقعية.

والمأساة الحالية في فلسطين لم تبدأ بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 وانما سبقتها منذ زيارة شارون للمسجد الاقصى تحت حراسة الجنود الاسرائيليين يوم 28 سبتمبر 2000 ثم انتخابه رئيسا للوزراء حيث اتيحت له الفرصة لتنفيذ اسلوبه الفظ في التعامل مع القضية الفلسطينية بعدم تنفيذ الاتفاقيات التي سبق التوصل اليها مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وممارسته لعدوان وحشي ضد الشعب الفلسطيني بعد حصاره واغتيال قادته وهدم القرى والمباني وتدمير المطارات والبنية التحتية.

واحداث الفترة الماضية منذ بدأت الانتفاضة الفلسطينية الثانية تظهر ان الموقف يدخل في مرحلة شديدة التعقيد تتساقط فيها الضحايا وتنزف الدماء من الفلسطينيين والاسرائيليين معا، وتثبت ان اسلوب شارون رغم قسوته لم يجبر شعب فلسطين على الاستسلام ولم يحقق لشعبه الامن والاستقرار، الامر الذي يؤكد ان استمرار الوضع على ما هو عليه الآن أمر مستحيل لا يعدو ان يكون مرحلة انتقال الى وضع جديد يسود فيه السلام، ويمكن القول ان مقابلة الرئيس بوش لشارون وزيارة ديك تشيني المرتقبة للمنطقة هي نقطة البدء لمرحلة جديدة لا تقع المسؤولية فيها على جانب واحد، وانما هي مسؤولية مشتركة تقع على جميع الاطراف، الاسرائيليين والفلسطينيين والعرب والادارة الامريكية والدول الاخرى التي تربطها بالمنطقة صلات مشتركة.

وواضح من نتائج المقابلة ان الرئيس بوش لم يوافق شارون على التخلص من ياسر عرفات أو قطع العلاقات مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وكرر تأييده لقيام دولة فلسطين، واظهر قلقه من معاناة الفلسطينيين وقدم دعما لتخفيف حدة هذه المعاناة، ولكنه بقي عند موقفه الثابت في دعم اسرائيل وتحميل عرفات مسؤولية الاعمال الارهابية.

ومعروف ان الرئيس بوش لم يقابل عرفات منذ انتخابه حتى الآن، كما ان اكثر من ثمانية وفود من اعضاء الكونجرس قد زاروا اسرائيل وبعض الدول العربية، ولكنهم جميعا تجنبوا الاتصال بعرفات، وهو امر لا يجوز مقابلته بالصمت أو اعتباره واقعا لا يمكن تغييره، وانما يجب ان يوحد العرب مواقفهم لمحاولة استغلال التناقض بين موقف الاتحاد الاوروبي والادارة الامريكية حول ادانة اسلوب شارون في الحصار والتدمير ومحاولة عزل السلطة الوطنية الفلسطينية وقيادتها الشرعية، كما انه يجب عليهم ان يؤكدوا وحدة الموقف في اجتماع القمة القادم في بيروت خلال شهر مارس (اذار) حتى تدرك امريكا ان اعتمادها في المنطقة لا يجوز ان يكون على دولة واحدة وانما يجب ان يكون ارتباطها مع الدول العربية اكثر متانة لما يجمعهم بها من مصالح مشتركة، وما يؤديه الوفاق العربي الامريكي من حصار للارهاب الدولي الذي يتولد من الاحتلال والقهر والضغط، والذي عانت منه الشعوب العربية قبل غيرها.

ووصول العرب في قمتهم القادمة الى موقف موحد يحتاج الى تمهيد مبكر من الآن للتغلب على التناقضات الثانوية المعطلة للتضامن العربي مثل موقفهم من ضرورة دعم السلطة الوطنية الفلسطينية ومساندة ياسر عرفات في موقفه غير المسبوق، حيث هو معتقل ومن المحتمل الا تسمح له الحكومة الاسرائيلية بحضور القمة العربية، واهمية تصفية الخلافات بين العراق والكويت على اساس سليم قبل انعقاد القمة حتى لا يستهلك هذا الخلاف وقت الاجتماع، وانما يكون الاجتماع فرصة لصدور قرارات ايجابية ترضى عنها جميع الاطراف المتنازعة بصورة نهائية تحقق التضامن العربي الذي اعتدنا ان يتحقق في أوقات الشدة وامام الازمات الكبيرة.

وهكذا فان وحدة القرار العربي، ومحاولة التوفيق مع الادارة الامريكية تعتبران خطوتين مهمتين في طريق التسوية السلمية، ولكن بقي الحكومة الاسرائيلية التي تواصل عدوانها احيانا بما لا يرضي الادارة الامريكية ولكنه لا يغضبها في نفس الوقت.

ورصد الحالة في اسرائيل يعتبر قضية هامة في مجال التسوية السلمية، لان شارون رغم اهدافه التوسعية واساليبه العدوانية وحصوله على الاغلبية في استطلاعات الرأي العام الاسرائيلي، الا ان هناك من الظواهر ما يؤكد ان الحالة في المجتمع الاسرائيلي ليست مرضية بالدرجة الكافية التي تسمح لشارون وحده بقيادة شعبه الى اخطار لا يتوقعها ولا يطلبها، حيث تسود حالة من القلق والتوجس، ويقول المحلل الاسرائيلي (يوتيل ماركوس) في صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية يوم 25 يناير (كانون الثاني) «ان اسرائيل عضو في نادي الجيوش الخمسة الاقوى في العالم وفي نادي الدول الثماني النووية، ولكنها وصلت الى نقطة ليس فيها حل عسكري للمواجهة مع الفلسطينيين» ويقول ان شعار شارون «دعوا الجيش يحقق الانتصار» لم يتحقق، وانه قد بدأت المعارضة لاسلوب استخدام الجيش في قهر المواطن الفلسطيني بهذه العريضة التي قدمها خمسون من ضباط الاحتياط برفض الخدمة ويستهدفون الحصول على توقيع خمسمائة ضابط وجندي احتياطي، وفي ذلك رد على رئيس الاركان شاؤول موفاز الذي طلب من جنوده سبع جثث فلسطينية في كل عملية، كما ان المعلق الاسرائيلي «جدعون ساميت» كتب في صحيفة «هآرتس»: «ان شارون يقود الاسرائيليين الى كارثة لم يسبق لها مثيل وانه يضلل الرأي العام بوقاحة، واصبح من واجب الاسرائيليين الوقوف ضده اذا كانوا حريصين على مستقبلهم».

هكذا ظهرت في المجتمع الاسرائيلي بوادر الرفض والمعارضة لاسلوب شارون، هذا الى جانب الازمة الاقتصادية التي لم تشهدها اسرائيل من قبل، وهي حقائق ترجح احتمال حدوث تغيير في سياسة الحكومة الاسرائيلية.

واخيرا، فان لقاء بوش وشارون يفتح صفحة جديدة في حياة المنطقة تتوقف سطورها على النتائج والتغيرات التي سوف تتحقق في الدوائر الثلاث، العربية والامريكية والاسرائيلية.