الممكن والمستحيل في قمة لبنان

TT

في السابع من فبراير (شباط) عام 2001 فاز ارييل شارون، زعيم حزب الليكود اليميني برئاسة مجلس الوزراء في اسرائيل بفارق 25% من أصوات الناخبين، مما دفع الجنرال المتقاعد ايهود باراك الى تقديم استقالته. التغيير الوزاري الاسرائيلي، في تلك المرحلة، جاء بمثابة انذار بقرب وقوع مصادمات حقيقية شديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفع من درجة التوتر في المنطقة العربية.

وفي السابع والعشرين من مارس (آذار) عام 2001، عقد أحد عشر من رؤساء وأمراء ورؤساء الوفود العربية، الدورة الأولى للقمة في العاصمة الأردنية، عمان، والتي أطلق عليها في حينه «قمة القدس».

وكما كان متوقعاً، استمرت القمة ثلاث ساعات فقط، وخرجت بقرارات، أعدت مسبقاً، جاءت روتينية غير مجدية تمثلت في دعم الانتفاضة الفلسطينية، والدعوة الى وحدة الصف العربي، والمطالبة بتحرك عربي داخل المنظمة الدولية لاستصدار قرار بارسال قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني الأعزل، كما طالبت باحياء المقاطعة العربية لاسرائيل، وغير ذلك من المطالب التي جاءت على استحياء دبلوماسي معهود.

كان واضحاً ان القمة لم تدرك، في حينه، خطورة التغيير الوزاري الذي جرى في اسرائيل، والذي كان ينبئ بأنها سوف تعمل على وقف عملية السلام وتقويض فكرة قيام دولة فلسطينية.

ولتوثيق وقائع قمة القدس نجد ان محصلتها لم تتجاوز انشاء صندوقين لدعم الفلسطينيين، والاتفاق على عقد قمة دورية، كل عام، وفي موعد ثابت، في محاولة لاعطاء التجمع العربي قيمة ايجابية.

وأمام ضعف قرارات قمة القدس، والتي لم يتم تنفيذ اغلبها، اندفع شارون في تنفيذ مخططاته الرامية الى التخلص من كل اتفاق سابق بين اسرائيل والفلسطينيين، والعمل على اضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، وبث الفرقة والوقيعة بين الفلسطينيين على امل وقوع مواجهات فلسطينية ـ فلسطينية تخفف من استمرار المواجهة الفلسطينية ـ الاسرائيلية.

وبعد عام من الضياع العربي، وتغير الأوضاع السياسية العالمية على اثر احداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول)، وصلت عملية السلام المزعومة الى طريق مسدود، تقلصت معه كل الآمال الفلسطينية. كما بدا واضحاً كل الوضوح التأييد الأمريكي اللامحدود لسياسة شارون العدوانية، الى جانب الضغط على العرب.

ومع اقتراب موعد انعقاد القمة العربية الثانية، الدورية، في لبنان، بدأت تظهر من جديد الخلافات العربية ـ العربية التي لا تقوم على أساس مقنع، والتي تبتعد بأسبابها كل البعد عن نبض الشارع العربي تجاه الصراع العربي ـ الاسرائيلي.

لهذا، ومنذ فترة، جندت الجامعة العربية كل جهودها من اجل توفيق الأوضاع بين القادة العرب، واسترضاء من ابتلي بالغضب حتى يمكن عقد القمة في موعدها، مع ضمان حضور أغلب القيادات العربية، وهو الأمر المؤسف بكل المقاييس، والذي يشير الى ان هناك بعضاً من القيادات العربية تعيش حالة لامبالاة مع الأخطار التي تتعرض لها المنطقة. فاذا كانت القمة العربية القادمة، في لبنان، سوف تنهي اعمالها بقرارات مماثلة لما سبق وأقرته في قمة القدس، فمن باب أولى عدم عقدها، ومن الأفضل توفير الأموال التي ستنفق على الاعداد والاستضافة والأمن وخلافه، وعدم كشف عورة السياسة العربية أمام الشارع العربي.

أما اذا كانت هناك نية لاتخاذ موقف ايجابي حازم اتجاه التجاوزات الاسرائيلية والتعنت الأمريكي، والذي بات يهدد بضرب عدد من الدول العربية تحت زعم مكافحة الارهاب، فلا مانع من القمة لفرض الارادة العربية، والمشاركة في اعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بجغرافيتها الواسعة.

المتفق عليه، والذي لا خلاف فيه، ان كل الدول العربية تعمل من اجل السلام ـ وهو الشيء الوحيد المتفق عليه بين العرب ـ وانها تؤمن بأن حل الصراع العربي ـ الاسرائيلي، لن يكون إلا عن طريق المفاوضات والعمل الدبلوماسي، وانها لا تقر الحرب كوسيلة لانهاء الصراع.

هذا المبدأ، الذي تتبناه الدول العربية وترفع شعاره، لا يمنعها من استخدام عدد من الأسلحة السياسية والاقتصادية في معركتها السلمية، مع الأخذ بالاعتبار ان لغة الحوار مع اسرائيل لا بد ان تتسم بالقوة، والقوة هنا هي وحدة الصف العربي ووحدة قراره والالتزام بتنفيذ ما يتخذ من قرارات بدون أية استثناءات.

كذلك يجب ان تكون لغة الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية، مبنية على مبادئ المنفعة التجارية والاقتصادية، فالادارة الأمريكية الحالية، مثلما الادارات السابقة، تتعامل بعقلية التاجر، فكل شيء لديها بمقابل، أي مبدأ «خذ وهات».

اذا خلصنا الى معقولية هذا الطرح نجد ان قرارات القمة القادمة لا بد ان تتضمن الآتي:

ـ احياء نظام المقاطعة ضد اسرائيل وتنفيذه بكل دقة من دون أية استثناءات.

ـ قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية التي لها سفارات مع اسرائيل أو لها مكاتب تجارية.

ـ تخفيض حجم البعثات الدبلوماسية العربية لدى الولايات المتحدة الى مستوى قائم بالاعمال.

ـ تخفيض الانتاج اليومي النفطي للدول العربية بنسب تتراوح بين 10% الى 25% حسب ما تراه تلك الدول، وهذا ينطبق على الدول الأعضاء في منظمة الأوبك او غير الأعضاء.

ـ تخفيض حجم التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، والتعامل مع دول أخرى بديلة.

ـ تشكيل لجنة عربية على مستوى رفيع تابعة للجامعة العربية، تقوم بالتفاهم والضغط على النظام العراقي حتى يلتزم بتنفيذ كافة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، ومن أهمها عودة الأسرى الكويتيين.

ـ تشكيل لجنة عربية تابعة للجامعة العربية تكون مهمتها التفاوض مع اسرائيل باسم كل الدول العربية، ووقف أية لقاءات عربية ـ اسرائيلية ثنائية، مهما كانت الأسباب، باستثناء الجانب الفلسطيني، على ان يكون بينه وبين اللجنة المذكورة تنسيق دائم ومستمر.

لاشك ان بعض الدول العربية سوف ترفض مثل هذه القرارات، والبعض الثاني سوف يتحفظ عليها او على بعض منها، والبعض الأخير سيوافق عليها، هذا كله خوفاً من رد الفعل الأمريكي.

لكن الواقع يقودنا الى غير ذلك، لأن قرارات تصدر باجماع مطلق من اثنتين وعشرين دولة سيكون من الصعب مواجهتها إلا بطلب التفاوض واعادة تقويم المواقف، وهو ما نهدف اليه.

وأياً كانت الأحوال فاننا كعرب، لن نتعرض لما هو اسوأ مما نتعرض له، حالياً، من سفك للدماء وتوجيه الاتهام بتبني الارهاب، وتلقي الاهانات.

ان مصير الشعوب والدول مرتبط بقوة بمواقف قياداتها، فإما ان تضع تلك القيادات شعوبها ودولها في المقدمة، وإما ان تنزلق بها الى قاع المجتمع الدولي، كما هو متوقع لنا في القريب العاجل، اذا ما استمر الحال على ما هو عليه.

* كاتب مصري