انتحار جماعي

TT

اصبحت كل التعليقات او الانطباعات عن منطقة الشرق الاوسط تتسم بتشاؤم شديد، فقد تداخلت احداث 11 سبتمبر التي وضعت المنطقة كمتهم بتصدير الارهاب مع تصاعد الصراع في الاراضي الفلسطينية، مع وقوع الطرفين في مأزق عدم وجود اي رؤية سياسية او ربما ارادة حقيقية لايجاد تسوية لتتشابك، مع ازمة اقتصادية تظهر ملامحها بوضوح لتزيد الاحباط، وذلك في كوكتيل متفجر يفاقم الشعور بالعيش فوق برميل بارود.

وقد تبدلت الاحوال تماما خلال العامين الاخيرين فقط فقبل ذلك كان الجميع يتحدث عن رؤية جديدة للمنطقة، وانفتاح اكبر على الحريات، واقتصاديات تستعد للاستفادة من الفرص المتاحة، وامكانية الوصول لأول مرة الى تسوية نهائية للصراع الذي كان وما زال احد المعوقات الرئيسية امام التحديث والاندماج مع العالم.

وفي واقع الأمر فان الكثير من المعطيات على الارض لم تشهد تغيرا حادا باستثناء تداعيات 11 سبتمبر. وخلاف ذلك فإن المشاكل والتحديات هي هي. الفارق بين ما كان قبل عامين وما هو حاصل الآن انه كان هناك امل في رؤية ضوء في نهاية النفق، بينما يبدو الضوء الآن بعيدا الى حد بعيد، والجهود تتركز على محاولة التعايش مع النفق بدون الاختناق فيه لا الخروج منه.

ولانها القضية الرئيسية التي تمس مشاعر كل شعوب المنطقة فإن تأجج الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي بهذا الشكل الدموي اعاد المنطقة كلها الى حالة عدم الاستقرار والافتقاد الى التوازن. واضاف التحول بنسبة 180 درجة من اجتماعات حميمية في كامب ديفيد، ومفاوضات على التفاصيل الاخيرة لاتفاق نهائي اختلالا اكبر الى حالة عدم التوازن، خاصة ان الانتقال من حالة الى حالة كان في ايام معدودة.

وسيقول التاريخ في يوم من الايام كلمته في ماحدث، ومن هو المسؤول عن الكيفية التي تحولت بها صور العناق وموائد المفاوضات والآمال العريضة الى حوار بالرصاص والمتفجرات وهدم المنازل والحصار والاغتيالات، خاصة ان شهودا من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وحتى الجانب الاميركي يقولون انه لو كان هناك وقت اضافي، او ان المفاوضات بدأت مبكرا بشهور لكان قد تم التوصل الى اتفاق.

ورغم كل ما تقوله اطراف اقليمية واخرى دولية خاصة الاوروبية حول التمسك باتفاقات سابقة فان الحقيقة هي ان النزاع جر المنطقة كلها عشر سنوات الى الوراء، وخلق وضعا نفسيا اصبح يحتاج الى جهد ضخم لتجاوزه.

وحتى الاطراف الدولية المعنية بما يحدث يبدو انها ركنت الى هذه الحقيقة واصبح كل جهدها منصبا على ادارة الازمة بما يحد من امكانية توسعها وهو امر لا احد يستطيع ضمانه، خاصة مع تزايد التراكمات والشعور بالاحباط لدى الجانب العربي الذي يرى الفلسطينيين يعاقبون جماعيا كل يوم، وانطلقت الرؤى المتشددة من الجانبين ليكون لها اليد العليا في ادارة الصراع وهي رؤى لا تقود الى شيء سوى الانتحار.

وفي هذا الوضع المعقد الذي تبدو فيه الاطراف الدولية غير راغبة او قادرة على بذل جهد، فان ظهور اصوات من داخل النخبة في المجتمعين الفلسطيني والاسرائيلي لمراجعة ماحدث خلال العامين الاخيرين، وتبدأ بسؤال بسيط هو: هل هذا هو شكل الحياة الذي يريدونه، لينطلقوا من ذلك الى محاولة تصور صيغة تعايش مستقبلية عادلة لا يشعر فيها احد بالظلم، سيكون عامل ضغط لايستهان به يساعد على الخروج من اسر هذا الوضع الانتحاري.