الإعلام من ضعف إلى قوة (2 ـ 2)

TT

اعتقد ان من اهم التحولات في وضع وأداء الاعلام العربي هو دخول عدد من المستثمرين في ميادينه الصحفية والتلفزيونية خلال السنوات القليلة الماضية.

فقد دخل بذلك الاستثمار الخاص والحكومي ايضا ليعيد ترتيب الوسائل الاعلامية ويسهم في نشرها بشكل لم يسبق له مثيل. ومع ان البعض من المستثمرين خاب ظنهم بعد ان وجدوا ان عوائد الاستثمار في عمارة هي اعلى من عوائد اي محطة تلفزيونية مثلا الا انهم مع الوقت اكتشفوا الابعاد المربحة الاخرى للاعلام. ومع الوقت ايضا، وبجهد المال الخاص تحديدا، حول المستثمرون اعلام التلفزيون والصحافة المكتوبة الى صناعة وهيئة للربح الحقيقي. وهذا، في نظري، هو المفتاح حيث ان الاعلام كأي خدمة قادر في محيط العالم على ان يكون عملا مربحا ايضا، وبالتالي يخرج من مفهومه القديم حيث عرف ان اي مشروع اعلامي هو مشروع مفلس سلفا. ومع اننا بعيدون عن التجربة الاعلامية التجارية في الدول الصناعية الا ان المفاهيم متشابهة ان لم تكن واحدة. والاعلام العربي لن يبلغ المقاييس الغربية حيث تحول هناك الى صناعة معلومات ضخمة خاصة بعد نمو قطاع تقنية المعلومات وصار يسبق الصناعات التقليدية الضخمة مثل السيارات والبترول وغيرها.

العالم العربي يمر بمرحلة نمو اعلامية حقيقية تستحق المراقبة لانها بمجرد تحولها الى صناعة متكاملة كبيرة، وهو ما يحدث اليوم، ستتحول معه الى نفوذ تجاري واجتماعي وسياسي بشكل خاص.

ومع ان بعض المستثمرين اهدروا كثيرا من امكانياتهم يحاولون اختراع العجلة من جديد بما كلفتهم اخطاؤهم الكثيرة الا اننا نرى استقرارا في المهنية بعد ان ظلت الساحة عرضة للتجارب الشخصية. ومثل اللاعبين الاجانب في كرة القدم، فان الاستعانة بالقدرات والتجارب الاجنبية ساهمت في تطوير النوعية وتغليب فكرة الصناعة الاعلامية على ما كان سائدا في الماضي، عندما كان التلفزيون والاذاعة والصحيفة في رعاية الحكومة وحدها.

واذا بحثنا عن التجمعات الاعلامية الضخمة عربيا فانها لم تحدث بعد لكن الارضية مهيأة لها اذ توجد شركات تجمع السينما والاذاعة والتلفزيون والصحافة والانترنت والخدمات المساندة لها من انتاج واعلان وتوزيع وخدمات هاتفية مشابهة. هنا يتحول القطاع الى قطاع واسع ومؤثر ومربح معا. وليس خافيا على اهل المهنة ان القوانين الحكومية كانت تحارب في الماضي مثل هذه الشمولية لاعتقادها بخطورتها السياسية والاقتصادية، حتى في الغرب، لكن الآن ولاسباب تقنية لم يعد الغاء هذا التكامل قائما طالما انه ليس احتكاريا. وفي تصوري انه ليس بالأمر البعيد حدوثه عربيا مع انفتاح الحكومات واستعداد المستثمرين للتخلي عن الاستثمار السريع مثل العقار والتراجع عن القناعات الماضية القائلة ان الاعلام ليس الا لعبة ترفيهية ومظهرا من مظاهر الوجاهة الاجتماعية.