الأزمة والصرافون

TT

كتب الزميل سلامة احمد سلامة في زاويته اليومية المقررة في «الأهرام» ان العقاب الذي انزلته السلطات المصرية بعدد من الصرافين بسبب ازمة الجنيه، لا يزيد في المشكلة ولا ينقص، لانها ليست فيهم ولا هي في محدودية حجمهم. ولم يذهب الى القول اين هي. والاسباب في هذه الحالات لا تحصر ولا تعد. فالمواطن الخائف، ولو فقيرا، هو سبب من الاسباب. والظروف الدولية سبب. و11 سبتمبر سبب اساسي. ومصر، كما يقول الاستاذ سلامة، لم تصبح دولة صناعية بعد ولم تعد دولة زراعية. ولم يقل انها فقدت الكثير من الدخل في غياب الذهب السياحي. ولكن لا بد ان هناك اسبابا اخرى، مرئية وغير مرئية. فربما يكون سحب الودائع الليبية (اذا حصل) سببا من الاسباب. ولا يمر اسبوع لا اقرأ عن فضيحة مالية في مصر. ولكنها فضائح بارقام مستفظعة. مصارف تقرض نوابا او تجارا فاسدين فاسقين. وشركات وهمية. ومحتالون يغادرون مصر بملايين الجنيهات ثم يسوون عودتهم بملايين الملاليم. كل ذلك مال. ومجموعه في النهاية يؤدي الى كسر الدول، حتى لو كانت مصر.

لقد جاءت حكومة الدكتور عاطف عبيد على اساس انها ستضع حدا للاتجاه نحو التأزم. وعندما عدلت الحكومة ابقي فيها الدكتور يوسف غالي وزيرا للاقتصاد. ويومها قال لي الدكتور بطرس غالي «ده ابن اخويا. ستة اجيال ونحن في خدمة مصر».

ومن الواضح ان مصر متعبة برغم الكفاءات. وقرارات الوقاية الاقتصادية لم تعد تكفي وحدها. والرئيس المصري في اوروبا، عين على الوضع السياسي المتدهور في الشرق الأوسط وقلب على اقتصاد مصر. واميركا تعرف ان مصر اسيرة اقتصادها ورهينة 80 مليون مصري ليسوا جميعا في طاقات الحاج سعيد متولي ولا في نجاحاته. وصحيح ان مصر ليست الارجنتين كما اعلنت الحكومة بصوت غاضب، لكن هذا لا يمنع انها تبحث عن حل. وصحيح انها خلال خمسين عاما من الثورة لا تزال مع حسني مبارك في افضل الاحوال الاقتصادية التي مرت بها، لكن الدول الكبيرة استهلاك مفتوح. ولذا يجب ان تبقى مضخة الدخل مفتوحة هي ايضا على وسعها. ومشكلة القضايا الاقتصادية انها لا تعالج مرة واحدة. ولا تعالج في العلن خوفا من الذعر. لكن المصري هو احد اهم المواطنين اخلاصا لدولته ووطنه. وأحد اكثر المواطنين طاقة على تحمل اجراءات التقشف اذا كان الحل فيها.

ومصر واحدة من دول عربية قليلة تصارح مواطنيها بحقائق الارقام. وتطلعهم على موازنات حقيقية غير مزيفة. وعلى موازنات تنفذ فعلا ولا تبقى حبرا ترشق به عيون الناس. ونتمنى ان تكون ازمة مصر عابرة وخيرها دائما. لكن الازمة، هناك ازمة. وهناك حوالي مليون عامل ومستفيد في القطاع السياحي، توقفت دخولهم بنسبة مزعجة او مقلقة. وكفاية الشعوب لا تبنى بقتل الباصات ولا بأن يحاول بتاع كراج حز عنق نجيب محفوظ. احيانا الثروة ليست دائما تحت الارض، بل فوقها ايضا.