هديد الهدايا

TT

من أول الأماكن التي ينبغي تحاشيها عند زيارة العواصم الغربية، باريس أو لندن أو روما، المخازن الراقية ومعارض الأعمال الفنية. ففيها من الإغراء المكلف والمهلك ما يتجاوز ما فعلته كليوباطرة بأنطونيو، لكننا نحن الكتّاب نقول ما لا نفعل ونفعل ما ننهي عنه. وهو بالضبط ما انطبق عليّ، عندما تسلمت دعوة من الفنانة هلري وتسن لمشاهدة معرض للأعمال الفضية، شاركت فيه ببعض تصاميمها الفاتنة. أسرتني قلادة من صنعها لم استطع مقاومة شرائها وتقديمها لأم نايل بمناسبة ذكرى زواجنا، وهي مناسبة تستحق الاحتفال، فالظاهر هو أنني الشخص الوحيد بين أصحابي الذي ما زال يعيش مع زوجته. فرحت بها وشكرتني عليها وقبّلتني ثلاث أو أربع مرات تقديراً منها، ثم ذهبت لتجربها أمام المرآة. عادت في حالة كئيبة مكسوفة، قالت، يا للأسف! ليس لدي الفستان المناسب لها، قلت لنفسي يارب يا ساتر! قضت الأيام التالية تتنقل بالتكسيات من نايتس برج إلى بوند ستريت ومن بوند ستريت إلى كنسنغتن، تبحث عن فستان مناسب ينسجم مع التصميم الحديث لرؤيا غالي. وفي كل يوم تضطر لتناول الغداء ثم الشاي ثم القهوة في فورتنم اند ميسن أو سلفرجس لوكلارجس.. إلخ. أخيراً عادت مستبشرة بالفستان المناسب، وبعد أن دفعت عنه ثمناً بلغ ستة اضعاف ثمن القلادة الفضية، عادت به فرحة مبتهجة إلى البيت. لبسته ووضعت القلادة أمام المرآة ثم كرت وابتأست، أيضا كئيبة مكسوفة، يا للأسف! ليس لدي الحذاء المناسب لهذا الفستان.

وبدأت الملحمة الجديدة للعثور على هذا الحذاء، تكسيات من ومبلدن إلى كنسنغتن ومن كنسنغتن إلى ريجنت ستريت، غداء في ريجنت بلاس وشاي في سمبسون وقهوة في الستراند، حتى عثرت على الحذاء المناسب. عادت به مستبشرة إلى البيت، وضعته في قدميها ولبست الفستان الجديد وعلقت القلادة على صدرها ونظرت في المرآة. وعادت مكتئبة ومكسوفة ايضا، يا خسارة! ليس لدي الشنطة التي تنسجم مع هذا الحذاء، كيف سأخرج أمام الناس مع شنطتي القديمة، لا ادري؟، سأكون أضحوكة أمام العالمين. وبدأت الحلقة الجديدة من ملحمة قلادة رؤيا غالي، حتى عثرت على الشنطة المناسبة بعد التي واللتيا.

اكتمل كل شيء، لكن ما الفائدة؟.. ما الفائدة من لبس كل ذلك في المطبخ والبيت؟ الغرض هو الظهور أمام الناس بكل ذلك. ولم تكن هناك أي مناسبة جديرة بهذا الاستعراض، كل أصحابي لحقوا تزوجوا أو ماتوا أو طلقوا نسوانهم، حفلات السفارات العربية لم يعد يحضرها غير الغوغاء والقنطرجية وأصحاب المصالح ومن يبحث عن عريس لابنة قبيحة. لم يبق لي غير أن اختلق المناسبة، حجزت مقعدين محترمين في دار الأوبرا الملكية في كفنت غاردنز لمشاهدة باليه «كسارة البندق». بالطبع الذهاب لدار الأوبرا يختتم دائماً بعشاء في أحد مطاعم الوست اند الفاخرة. وهذا يعني تكسي إلى كافيه دي باري وبقشيش محترم للبواب الذي يفتح باب التكسي وبقشيش آخر للبواب الذي يفتح باب المطعم، ثم النادل الذي يقودنا إلى المائدة.

عدت إلى البيت وألقيت برأسي على الوسادة استعداداً لتلقي الكوابيس المرعبة. الفاتورات التي ستنهال علي، الخط الأحمر الذي سيتجاوزه حسابي في البنك، الدائنون الذين سيقفون وراء الباب، وأخيراً مأمور الاجراء الذي سيحضر مع الشرطة لوضع يده على الدار وبيع عفشي في المزاد وإخراجي من البيت بالبيجاما والفانيلة واللباس.

وكله من وراء زيارة بريئة لمعرض مصوغات فضية لزميلة فنانة.