المسلمون يحتاجون لإجابات أفضل

TT

كنت في لندن اتناول طعام الغداء مع دبلوماسي اميركي اقام مأدبة لصحافيين عرب، عندما خاطبني احدهم قائلا «آمل ان لا تشعر بالاهانة لما سأقوله، لكن لا بد من ان اوجه لك السؤال التالي الذي يطرح نفسه: هل يقف اليهود المشتغلون في وسائل الاعلام خلف الحملة التي تستهدف المملكة العربية السعودية والاسلام؟

شعرت بالدهشة لان هذا السؤال ليس من نوع الاسئلة التي اتلقاها مصادفة وانا احتسي القهوة بل انه سؤال جاد طرحه صحافي عربي جاد اراد ان يحصل مني على اجابة جادة. قلت له انني لم اشعر بالاهانة، وانني اعلم بأن هذا السؤال مطروح في كل مكان ـ في كل مكان ـ من العالم العربي والاسلامي هذه الايام. واجتهدت في طرح وجهة نظري التالية.

كان رد فعلي الاول هو ان اوجه لمحدثي السؤال التالي: عندما كان الصحافيون اليهود يتابعون الاحداث في بيروت واسرائيل ابان مجزرتي صبرا وشاتيلا اللتين تعرض لهما الفلسطينيون، لماذا لم يسأل اي مواطن في العالم العربي عما اذا كانت متابعة الصحافيين اليهود تلك جزءا من المؤامرة؟ وعندما تبنى اعضاء الكونغرس والمراقبون اليهود حملة في الولايات المتحدة لحثها على التدخل لانقاذ المسلمين في البوسنة وفي كوسفو وللتصدي للغزو العراقي للكويت، وللدفاع عن المملكة العربية السعودية خلال حرب الخليج، لماذا لم يشك اي من المسلمين من مؤامرة يهودية؟

والحقيقة ان المراقبين والنواب اليهود كانوا اكثر المتحدثين طلاقة وهم يدعمون استخدام القوات الاميركية لانقاذ المسلمين خلال الـ 15 عاما الاخيرة، مقارنة بأي من الجماعات الاخرى بما فيها الاميركيون المسلمون.

وهكذا يمكننا القول بانه ربما ـ اقول ربما ـ لا توجد هناك «مؤامرة يهودية» ضد المسلمين او ضد المملكة العربية السعودية يتم تنفيذها حاليا. وربما ـ اقول ربما ـ يشعر العديد من الاميركيين بالانزعاج لان 15 سعوديا اشتركوا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولان جمعيات خيرية سعودية غير حكومية مولت اسامة بن لادن ومئات من السعوديين الذين قاتلوا مع تنظيم القاعدة ضد اميركا في افغانستان. وهذه الحقائق القاسية ادت الى تصلب الرأي العام الاميركي ضدهم.

لكن ستكون كارثة لو ان العرب والمسلمين تبنوا الموقف الذي يقول بانه لا توجد اية اسباب مقنعة قد تكون جعلت الاميركيين مستائين منهم اليوم، وبأن اي انتقاد يواجهونه في وسائل الاعلام الاميركية هو في الاساس نتيجة لحملة يهودية من التشويه.

وذلك قد يجعلنا نتحدث عن الاسباب التي جعلت العالم العربي والاسلامي متخلفا في مجالات التنمية الاقتصادية والثقافية والعلمية وفي العملية الديمقراطية. لانه عندما يقلل الناس من حجم مشاكلهم وينسبونها الى مؤامرة دبرها البعض، فانهم يكونون قد برأوا انفسهم وقياداتهم من اية مسؤولية ومن تبعاتها، ومن اية حاجة للتفكير الذاتي فيها.

لم يسبق حتى الان لاية حضارة ان ازدهرت وهي تحمل هذه الرؤية (وهناك العديد من الصحافيين العرب الشجعان ممن بدأوا بطرح هذه المسألة).

فالقاء اللوم على شخص اخر ليس بديلا للبحث او للتأقلم. وذلك ينطبق ايضا على الاسرائيليين الذين يقولون بان ياسر عرفات، وحده، هو مصدر كل مشاكلهم.

ففي المجتمعات التي تتبنى النقد الذاتي وحدها يمكن للعملية السياسية ان تؤدي الى نتائج واقعية يمكنها التأقلم مع المشاكل الحقيقية.

انظروا الى العملية التي مرت بها اميركا عقب حرب فيتنام. هل مرت اية دولة عربية بنفس التجربة من النقد الذاتي ومحاسبة النفس، عقب اية حرب خاضتها، ناهيك عن ما بعد الحادي عشر من سبتمبر.

وحتى يفعلوا ذلك، فان استنتاجهم بان اميركا او اليهود يقفون خلف كل مشاكلهم هو محاولة للهروب وليس تحليلا للواقع.

وجهة النظر المألوفة عن اميركا في العالم العربي والاسلامي هي ان اميركا دولة غنية وقوية لكنها فظة ومادية. لكن الحقيقة عكس ذلك تماما. اميركا دولة ناجحة وثرية بسبب القيم التي تحملها وليس لتجاهلها. وتلك القيم تمثل آبار نفطنا التي لا تنضب.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»