أميركا.. بدوي يبحث عن ديكه الرومي المسروق

TT

عندما تطالع الصحافة الاوروبية، تشعر بالاطمئنان من الحرارة التي استقبل بها الاوروبيون عبارة الرئيس بوش حول «محور الشر» الذي يهدد السلام العالمي. ولكن ثمة مشكلة صغيرة هنا، إذ يعتقد بوش ان «محور الشر» هو ايران والعراق وكوريا الشمالية، بينما يعتقد الاوروبيون ان محور الشر هو دونالد رامسفيلد وديك تشيني وكوندي رايس.

انني لا امزح في ما اقول، فقد صرح كريس باتين، مخطط السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي، لصحيفة «الغارديان»، ان فكرة بوش حول محور الشر، فكرة بالغة الخطورة «من حيث اطلاقيتها وتبسيطها للاشياء»، وانها فكرة «غضة» و«لا نفع من ورائها». وقال ان على الاوروبيين ان يوقفوا واشنطن عند حدها قبل ان «تتوغل في نهجها الانفرادي».

ما الذي يمكنني ان اقوله اذن؟

اعتقد ان المعارضين على صواب حول ان الدول الثلاث، التي قال عنها الرئيس بوش انها محور للشر، فهي لا تمثل في الواقع «محورا»، ولا يتوجب علينا ان نضعها في سلة واحدة. ويصدق المعارضون حينما يقولون ان كلا من الدول الثلاث تمثل خطرا مختلفا عن الاخرى، وتحتاج بالتالي الى استجابة مختلفة. والمعارضون كذلك، على صواب عندما يقولون ان الاميركيين لا يمكنهم ان يقاتلوا وحدهم في كل مكان. والمعارضون محقون عندما يقولون ان على اميركا ان تقوم بمجهود جاد وحقيقي لانهاء العنف الاسرائيلي ـ الفلسطيني، لان ذلك العنف يعرقل أي احتمال للتعاون العربي الاميركي.

المعارضون محقون في كل هذه النقاط، ولكني سعيد، رغم ذلك، لكون بوش قد قال عبارته تلك، وذلك لان المعارضين غابت عنهم الحقيقة الاعمق وهي التالية: حدثت هجمات 11سبتمبر (ايلول) لان اميركا فقدت قوتها الرادعة. وقد فقدتها لاننا خلال 20سنة، لم نرد على اولئك الذين اقدموا على قتل الاميركيين، ولم نقدمهم للعدالة. فمنذ اول هجوم انتحاري على السفارة الاميركية في بيروت في ابريل (نيسان) عام 1983 الى تفجير ثكنات قوات المارينز في مطار بيروت بعد ذلك بعدة اشهر، الى اختطاف طائرة تي دبليو ايه، الى الهجوم على القوات الاميركية بابراج الخبر في المملكة العربية السعودية، الى الهجمات الانتحارية على السفارتين الاميركيتين بشرق افريقيا، الى الهجوم على المدمرة الاميركية كول في اليمن، في كل هذه الهجمات قتل مواطنون اميركيون ابرياء، ولم نفعل نحن شيئا من اجلهم.

هذا الواقع جعل اعداءنا يستهينون بنا ولا يأخذونا مأخذ الجد، وزودهم بجرأة ظلت تزداد على الدوام. وقد بلغت بهم الجرأة مبلغا جعلت مجموعة من الافراد، لنتأمل ذلك لثانية واحدة فقط، مجموعة من الافراد، وليست دولة من الدول، تهاجم الولايات المتحدة في عقر دارها.

ولم لا يهاجموننا؟ ان الارهابيين والدول التي تدعمهم توصلوا الا اننا ضعفاء وناعمون، وكانوا على صواب. واعتقدوا على الدوام انهم يتفوقون علينا في الجنون، وكانوا على حق في ذلك. واعتقدوا اننا سنستمع دائما الى الاوروبيين واننا سنختار «الحوار البناء» مع المارقين، بدلا عن اللطمة في الجبين، وكانوا على حق هنا ايضا.

اشتم اعداء اميركا ضعفا ينبع من كل المسام، ولقد دفعنا ثمنا فادحا نتيجة لذلك. هناك اسطورة بدوية قديمة تقول: ظن قائد بدوي عجوز انه يمكن ان يسترد رجولته بأكل الديك الرومي، ولذلك اشترى ديكا روميا، وحفظه في خيمته وكان يطعمه حتى التخمة كل يوم. وفي يوم من الايام سرق احدهم ديكه الرومي. استدعى البدوي ابناءه وقال لهم «يا ابنائي نحن في خطر عظيم. بعضهم سرق ديكي» وقال له الابناء: «يا ابانا ماذا تريد بهذا الديك؟» اجابهم: «هذا لا يهمكم في شيء، فقط ارجعوا لي ديكي». ولكن الابناء اهملوا كلام والدهم. وبعد اسابيع قليلة سرقت ناقة الرجل، فقال له الابناء: «ماذا نفعل يا ابانا». فقال لهم: «ارجعوا لي ديكي»، ولم يفعل الابناء شيئا، وبعد فترة وجيزة، اغتصبت ابنة الرجل، قال الرجل لابنائه: «كل هذا سببه الديك، عندما عرف اللصوص انهم يمكن ان يأخذوا ديكي كنا قد فقدنا كل شيء».

ان اميركا في موقع ذلك العجوز البدوي، وخلال 20 عاما ظل ديكها مسروقا. لا يحبذ الاوروبيون عملا عسكريا ضد العراق او ايران او كوريا الشمالية، وانا ايضا لا اؤيد مثل هذا العمل، ولكن ما هو البديل الذي يرونه؟ ان ينتظروا حتى يحصل عدي، ابن صدام حسين الاخطر منه جنونا، على اسلحة الدمار الشامل، الصواريخ التي يمكن ان تضرب باريس؟ طبعا لا. صحيح ان فكرة محور الشر فكرة غضة، ولكن هذا بالضبط هو ما يروقني فيها. انها تقول لهذه الدول ولرصيفاتها الارهابيات: «اننا نعرف ما تعدونه في الخفاء. نحن لا نعرف حتى الان ما يمكن ان نفعله ازاء ذلك، ولكن اذا كنتم تعتقدون اننا سنجلس في مقاعد المتفرجين في انتظار جرعة جديدة منكم، فانكم مخطئون. ستلتقون حينها بدونالد رامسفيلد، انه اكثر منكم جنونا» ثمة جوانب عديدة في سياسة فريق بوش، لا اؤيدها، ولكن استعدادهم لاستعادة الرادع الاميركي، وميلهم لان يكونوا اكثر جنونا من بعض اعداء اميركا، من الامور الصائبة تماما، انها الطريقة الوحيدة التي تعيد لنا ديكنا الرومي.

* صحافي اميركي

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»