التعامل مع عرفات في القضايا الخطيرة بات معقدا

TT

كيف يمكن التعامل مع ياسر عرفات في قضايا خطيرة، من النوع الذي ناقشه رئيس الوزراء ارييل شارون، مجددا، مع الرئيس جورج بوش في اجتماعهما بالبيت الابيض الاسبوع الماضي؟ شارون صرح علنا بأنه يريد من الولايات المتحدة مقاطعة عرفات عقابا له على فشله في ايقاف الهجمات الانتحارية والهجمات الارهابية الاخرى، التى وجهت الى اسرائيل، خلال الشهور الثمانية عشر الماضية. كل الوسائل جربت حتى الان، جربت العصا والجزرة منفردتين ومجتمعتين، ولكنهما لم تجديا كثيرا، لانهما افتقدتا معا، الى عنصر اساسي هو النفوذ السياسي للدول العربية التي لها مصلحة ايضا في القضية الفلسطينية.

ولكن، يبدو ان الحكام العرب يحجمون عن المبادرة خوفا من شعوبهم. ففي اجتماع عقده مع عرفات مؤخرا زائر اجنبي كبير، عُرض طلب من حسني مبارك، بأن يشن عرفات حملة ضد حماس والجهاد الاسلامي. ولكن عرفات قال انه لن يأخذ مثل هذه الرسالة على محمل الجد الا بعد ان يطرح مبارك هذه المسالة علنا على شعبه اولا. وليس ثمة ما يحمل عرفات على القلق، لأن الزعماء العرب لم يوجهوا له أي انتقاد علني منذ اتفاقية اوسلو عام 1993. انه يعرف ان هؤلاء الحكام العرب يحتاجون اليه من اجل شرعية نظمهم الحاكمة اكثر من حاجته اليهم. ويقول المسؤولون الاميركيون ان مبارك غضب غضبا شديدا من عرفات، لأنه سعى الى إعطاء ايران موطئ قدم في شرق المتوسط، بالسماح لها بتهريب سفينة الاسلحة عبر قناة السويس، ثم الى قطاع غزة، وان الرئيس المصري لم يتحدث مع عرفات منذ ذلك الوقت. ولكن ليس هناك ما يدل على ان عرفات يهتم كثيرا لذلك، وهو يعتقد ان مبارك لن يفعل شيئا مهما بلغ به الهياج.

اقنعت الحكومات العربية الاوتوقراطية نفسها بأن أي نقد علني توجهه الى عرفات يمكن ان يضر بها على المستوي المحلي. ولذلك عندما تقدم الرئيس كلينتون بخطة تقضي بتنازل اسرائيل عن 97 في المائة من الضفة الغربية، لم تجرؤ الدول العربية على دفع الفلسطينيين الى التضحية بـ3 في المائة من الارض.

العرب هم المسؤولون. فجامعة الدول العربية، التي تضم 22 دولة، هي التي خلقت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وبعد ذلك بعشر سنوات قررت ان المنظمة هي «الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني»، ويجب على الدول العربية ان تجتمع الان، وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية، وان تعلن على رؤوس الاشهاد انه لن يكون هناك حل للقضية الفلسطينية ما دامت القيادة الحالية تقف متفرجة، في الوقت الذي تعمل فيه حماس ومنظمة الجهاد الاسلامي على تدمير كل فرصة للسلام. واذا لم تفعل الدول العربية ذلك، فانها تتنازل عن دورها الاخلاقي في حل هذه القضية.

ان هذه السلبية العربية السائدة تكلف الفلسطينيين ثمنا باهظا، فبدون النصح المخلص من العرب، لن تكون نتيجة هذا العنف سوى وقوع مئات القتلى، وتدمير الاقتصاد وتلاشي التعاطف من قبل الوسط واليسار الاسرائيليين.

في عالم ما بعد 11 سبتمبر (ايلول)، دفع الفلسطينيون ثمنا فادحا مع ادارة بوش. وقد فكرت هذه الادارة لاول مرة، في يناير (كانون الثاني)، في تجميد العلاقات مع عرفات. وقال المسؤولون الاميركيون ان الفلسطينيين لو استطاعوا تخفيض مستوى العنف فانهم سيركزون جهودهم في الضغط على شارون. لقد صعد الى سدة الحكم خمسة من رؤساء الوزراء الاسرائيليين السابقين بتأثير عامل واحد فقط، هو النزاع الفلسطيني، وسقطوا ايضا بفعل ذلك العامل نفسه. عندما تخلو الساحة الفلسطينية من العنف، يميل الاسرائيليون نحو العناصر المعتدلة مثل اسحق رابين وايهود باراك، ولكن عندما يشعر الناس بالغضب تذهب اصواتهم الانتخابية في الاتجاه المضاد، حينها ينتصر الخوف ويتلاشى الامل. ان الاسرائيليين يسيرون خطوات نحو السلام عندما يشعرون بالامان وليس عندما يشعرون بالخوف والخطر.

ومن الناحية الاخرى، فان الانظمة العربية تخسر، بدورها، من جراء الازمة الحالية. وما دام عرفات يستدعي ايران للاشتراك في الصدامات العسكرية، فان الحركات الاسلامية المتشددة، بما فيها تلك المعادية لأميركا، ستنمو ويزداد نفوذها مع ازدياد العنف والمواجهة. فالسلام والامن هو الذي يخدم الجميع.

هناك تواطؤ من قبل الزعماء العرب في هذه الازمة الاسرائيلية ـ الفلسطينية المستعصية. انهم ميالون للوم الولايات المتحدة، ولكن عندما احتاجت الولايات المتحدة مساعدتهم، لاذوا بالصمت، ولم يطرحوا اية افكار خاصة بهم. واذا تجاهل عرفات دعوة عربية صريحة من الزعماء العرب بايقاف العنف المدمر للذات، فان العواقب ستكون واضحة.

يمكن للزعماء العرب حينها ان يعملوا مع شخصيات حول عرفات، وان يساعدوا على تدشين فترة ما بعد عرفات. انهم لا يستطيعون بعد الآن الاكتفاء بالشكوى من المواقع الجانبية. انهم مطالبون، لمصلحة الفلسطينيين، ولمصالحهم الخاصة، ولمصلحة المسلك المختلف، ان يكونوا هذه المرة، جزءاً من الحل.

* من كبار الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط ومحرر «يو إس نيوز آند وورلد ريبورت» ـ خدمة «لوس أنجليس تايمز»، خاص بـ«الشرق الأوسط»