شارون و«خزان» الأرجنتين

TT

في الوقت الذي يواصل فيه آرييل شارون حملته الرامية الى تفكيك السلطة الفلسطينية، تنظم «الوكالة اليهودية» برنامجا عالميا لاجتذاب يهود جدد للاستيطان في الاراضي الفلسطينية. فقد وصل الى تل ابيب الاسبوع الماضي 268 من يهود الارجنتين فيما يتوقع وصول 400 منهم الشهر الحالي. وتأمل الوكالة اليهودية في وصول 4500 يهودي ارجنتيني قبل نهاية العام الحالي، اذ ان الهدف النهائي يتركز في اقناع معظم يهود الارجنتين البالغ عددهم 233000 شخص بالاستيطان في مستعمرات جديدة بالاراضي الفلسطينية. من الواضح ان وعد شارون خلال حملته الانتخابية قبل اكثر من عام باحضار مليون مستوطن يهودي الى فلسطين لم يكن مجرد حديث فقط.

والارجنتين ليست الدولة الوحيدة التي تستهدفها الوكالة اليهودية، رغم ان حالة الركود الاقتصادية الراهنة فيها تشجع على الهجرة، اذ تسعى الوكالة الى جلب المزيد من المستوطنين من دول اخرى بينها الولايات المتحدة وفرنسا وجنوب افريقيا، فيما يبلغ متوسط عدد المهاجرين الذين يصلون من هذه الدول الثلاث الى اسرائيل بحوالي 400 شخص شهريا. وتستخدم الوكالة اليهودية هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي الارهابية حجة لتزعم ان الولايات المتحدة لم تعد مكانا آمنا، فيما تتهم فرنسا بأنها دولة تشهد موجة متصاعدة من معاداة السامية. كما تصور الوكالة اليهودية جنوب افريقيا «كقنبلة موقوتة» حيث من المحتمل ان يلجأ سكانها الاصليون، الذين لا يزالون يعانون من التمييز الاقتصادي، الى العنف ضد الاقلية البيضاء بمن في ذلك اليهود.

ويشكل اليهود في الدول الاربع التي تستهدفها الوكالة اليهودية حوالي 70 في المائة من مجموع اليهود الموجودين خارج اسرائيل، واللافت في سياسة شارون هو الاسلوب الذي يستخدمه، فشارون واصدقاؤه يستخدمون ايديولوجية القرن التاسع عشر البالية للصهيونية كذريعة للعب بمصير الملايين من الناس، فجلب المزيد من المهاجرين اليهود وتوسيع المستوطنات اليهودية في الاراضي الفلسطينية سيجعل من مهمة اقامة سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين امرا اكثر صعوبة. كما ان الآفاق المستقبلية البعيدة المدى للاسرائيليين ستكون معرضة للخطر، ذلك ان مستقبل اسرائيل يعتمد على قبولها ككيان سياسي من دول المنطقة. مستقبل اسرائيل لا يمكن تأمينه الا من خلال تقليل عداء دول المنطقة لها وليس زيادته من خلال هذا المسلك الاستعماري. أي ايديولوجية سياسية تغرس بذور فنائها من خلال المغالاة في مبدئها الاساسي، وهذا ما يفعله شارون الآن ازاء الصهيونية، فتصرفاته تجعل من المستحيل على العرب والمسلمين، بصورة عامة، قبول اسرائيل في وسطهم، فآرييل شارون بذلك يغامر بالتضحية بمستقبل ممكن لدولته في الشرق الاوسط.