استراتيجية جديدة لأمن الطيران المدني

TT

قررت منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو) عقد مؤتمر وزاري رفيع المستوى، في هذا الشهر لمناقشة اوضاع امن الطيران المدني الدولي في اعقاب احداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، التي استخدمت فيها الطائرات المدنية، لأول مرة كأسلحة دمار. ويهدف المؤتمر، الذي سيحضره الوزراء المختصون بالنقل الجوي في العالم، الى بحث وسائل تعزيز أمن الطيران المدني، وطمأنة جمهور المسافرين في كل العالم بأن الدول ستبذل قصارى جهدها لحماية الطيران المدني، واستمرار تسهيله وتيسيره، واعادة الثقة التي اهتزت نتيجة لتلك الاحداث.

وسوف يعقد المؤتمر في مقر المنظمة في مدينة مونتريال، ويشارك فيه، ايضا، عدد كبير من المنظمات الدولية المعنية بصناعة النقل الجوي ومنظمات التمويل والمنظمات الاخرى، مثل الانتربول ووكالة الطاقة الذرية وشركات التأمين ومنظمة السياحة العالمية واتحاد القانون الدولي.

والواقع ان أمن الطيران المدني لم يكن في مقدمة اهتمامات منظمة الايكاو، قبل الأحداث المفجعة في نيويورك وواشنطن، حيث ان الدول قد حققت تقدما كبيرا منذ حادثة «بان امريكان» الامريكية، التي وقعت فوق مدينة لوكربي باسكوتلاندا، في شهر ديسمبر من عام 1988، وذلك بفضل التعاون بين الدول والجهود المستمرة التي بذلت، من كافة الجهات المختصة وعلى رأسها منظمة الطيران المدني الدولي والاياتا ومؤسسات النقل الجوي في العالم، كل ذلك تم في اطار التنظيم والقوانين المعمول بها داخليا لكل دولة، والمعاهدات والبروتوكولات الدولية التي تحكم امن الطيران، وقد ادى ذلك التعاون الى تعزيز كافة الاجراءات الامنية والمواصفات القياسية الصادرة عن المنظمة، مثل الملحق السابع عشر لمعاهدة شيكاغو الخاص بأمن الطيران والتقدم الذي احرزه فريق خبراء المتفجرات الذي شكل على اثر حادثة الطائرة الامريكية في عام 1988. تلك الحادثة التي تلاها اجتماع وزاري مماثل في فبراير 1989 ونتج عنه تأسيس آلية لتمويل برامج أمن الطيران بناء على اقتراح من وفدي سويسرا والمملكة العربية السعودية في مجلس المنظمة آنذاك.

وقد شكل ذلك النموذج من التعاون الدولي مثالا يقتدى في مجال الامن، بصفة عامة، وفي مجال امن الطيران بصفة خاصة. وادى الى انخفاض كبير في عدد حوادث الاختطاف وعدد الضحايا الناتجة عن افعال القرصنة الجوية، التي تمارس من قبل افراد أو منظمات لتحقيق اغراض خاصة، أو شد المجتمع الدولي للالتفات الى امور سياسية معينة.

* نجاح وثغرات

* وبمراجعة الاحصائيات خلال الفترة من عام 1990 حتى عام 2000، يتضح ان عدد الطائرات المختطفة المبلغ عنها، رسمياً، من قبل الدول كان 176 طائرة، وغير المبلغ عنها 219 طائرة. كما بلغ عدد الضحايا، نتيجة عمليات الاختطاف المبلغ عنها، 214 ضحية، وغير المبلغ عنها 441 ضحية. ونلاحظ من هذه الارقام بأن هناك دولا لا تبلغ المنظمة عن حوادث الاختطاف التي تحصل داخل حدودها، ولكن المعلومات تصل للمنظمة عن طريق وسائل الاعلام والانتربول، وجهات اخرى، ويتم تدوينها في سجلات المنظمة حيث ان ابلاغ المنظمة بحوادث الاختطاف والابلاغ عن عدد الضحايا امر اختياري.

وهذه الاحصائيات تدل بوضوح على نجاح برامج الأمن التي وضعت قبل اثني عشر عاماً بنسبة كبيرة، رغم ان الاعتداءات على أمن الطيران ما زالت تحدث بسبب بعض الثغرات الأمنية في المطارات في جميع انحاء العالم.

وبعد احداث سبتمبر، التي غيرت كثيرا من المفاهيم في مجال أمن الطيران، بدأت جميع الاطراف، سواء الدول أو المنظمات الدولية أو الناقلات، تفكر بشكل جدي في طرح اسئلة جديدة واستفسارات لم تكن تطرأ على بال احد من قبل، حيث ان تلك الاحداث ايقظت العالم على مفهوم جديد، وهو استخدام الطائرات المدنية لارتكاب اعمال تتعدى الوسائل التقليدية القديمة للمعتدين على أمن الطيران، مثل الحصول على مبلغ من المال، أو اطلاق سجين، أو لفت النظر الى قضية سياسية معينة، أدت الى تلك النقلة المفجعة حيث استخدمت طائرات مدنية، لأول مرة، لضرب اهداف استراتيجية ورموز اقتصادية واجتماعية معينة، بهدف إحداث اكبر قدر من الدمار في المنشآت وايقاع اكبر عدد من الضحايا.

وضع هذا الحدث علامات استفهام كبيرة حول الثقة التي تكونت بين الانسان والآلة، خلال نصف قرن من الزمن، يشكل عمر الطيران المدني، حتى أصبح السفر جواً أسهل وايسر وأسرع وأرخص وآمن، مقارنة بأي وسيلة اخرى عرفها الانسان.

في الخامس والعشرين من سبتمبر، بعد الاحداث بأسبوعين، انعقد اجتماع الجمعية العمومية لمنظمة الطيران المدني الدولي، في دورتها الثالثة والثلاثين، والذي يتم كل ثلاث سنوات في مقر المنظمة الرئيسي في مونتريال، حيث وضع امن الطيران الدولي الاول على رأس جدول الاعمال نظرا لكونه موضوع الساعة. وبالاجماع اصدر المؤتمر قراراً يركز على عمل كل ما يلزم لتعزيز آليات أمن الطيران المعمول بها، وادخال التعديلات اللازمة على القوانين والمعاهدات والمواصفات القياسية والاجراءات المتبعة في المطارات، للحيلولة دون تكرار ما حصل في نيويورك وواشنطن، في الحادي عشر من سبتمبر.

* تحديات كبرى

* وينعقد المؤتمر الوزاري في وقت تواجه فيه صناعة النقل الجوي تحديات لم يسبق لها مثيل في تاريخ هذه الصناعة، وهي تحديات الأمن والثقة التي يشهد العالم آثارها، ليس في مجال الاقتصاد وحسب، بل في جميع جوانب الحياة، نتيجة لإحجام الجمهور عن السفر والتردد في قبول عامل المخاطرة، الذي لم يكن ذا اهمية في قرار السفر جوا من قبل، بل كان التركيز يجري على أمور اخرى مثل التكلفة والمواعيد والحجوزات المناسبة ومستوى الخدمة.

وسوف يعمل المؤتمر الوزاري على وضع استراتيجية عالمية، على غرار استراتيجية سلامة الطيران، التي اعتمدها مؤتمر عام 1997 على النحو التالي:

ـ خطة عمل لأمن الطيران المدني على المدى الطويل.

ـ استحداث برنامج للتدقيق في وسائل أمن الطيران المدني للتأكد من فعاليتها، وضمان تطبيقها بشكل سليم.

ـ ايجاد الموارد المالية والبشرية لتحديث الخطة، ولتنفيذ برامج التدقيق على الأمن.

والدول مدعوة لهذا المؤتمر للتعبير عن الارادة الدولية، لتوفير الامكانيات الضرورية لحماية امن الطيران المدني، لأن ما حصل في الولايات المتحدة الاميركية يمكن ان يحدث في أي مكان اخر من العالم.

وشمولية الدعوة لهذا المؤتمر تؤكد على أن العالم يولي اهتماماً خاصا بأهمية أمن الطيران المدني، الذي ثبت من التداعيات التي شاهدها العالم، على اثر احداث الحادي عشر من سبتمبر، انه عنصر اساسي في استمرار الازدهار الاقتصادي والأمن الاجتماعي، في الدول، والأمن الدولي بصفة عامة. ولهذا فإنه من المتوقع أن يكون المؤتمر من أهم المؤتمرات التي اعد لها مجلس المنظمة.

* مندوب السعودية الدائم في مجلس منظمة الطيران المدني الدولي