ضحايا غياب المصداقية

TT

حين اعلنت اسرائيل استيلاءها على سفينة الاسلحة كتبنا في هذه الزاوية مشككين في الرواية الاسرائيلية متبنين ما طرحته القيادة الفلسطينية من ان الرواية كلها مفبركة. كان ذلك التزاما بدعم اشقائنا الفلسطينيين وتصديقا لروايتهم، ولكن يبدو ان تلك القيادة خدعتنا بروايتها، فقمنا بدورنا بخداع قرائنا دون ان ندري. واذكر ان الزميل عبد الرحمن الراشد رئيس التحرير كتب منتقدا الرواية الفلسطينية فتصدت له «بلدوزرات» نظرية المؤامرة، وتهم «خدمة» العدو وغيرها من المدفعية اللفظية العربية الثقيلة.

الان، لم يكتف رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بالاعتراف بالرواية، بل يذهب اكثر من ذلك ويقدم الى وزير الخارجية الاميركية ما اعتبره تحملا للمسؤولية بسبب ذلك الحادث، وهو ما يدفعنا الى تحمل المسؤولية امام القراء والاعتراف بأنني والقراء ـ معا ـ ذهبنا ضحية التزامنا وثقتنا بالقيادة الفلسطينية، ونعد القراء بعدم اخذ تصريحات القيادة الفلسطينية مأخذ الجد، بعد الاعتراف بتحمل المسؤولية امام كولن باول.

يقول الفيلسوف نيتشه «ما هزني ليس انك كذبت علي، بل انني لم اعد اصدقك».. وهذه مأساة حقيقية للكاتب حين يثق بأشقائه وابناء عمومته وقياداته فيتبنى اطروحاتهم، ثم يكتشف انه اوقع قراءه في خطأ جسيم.

يظل الكاتب في عالمنا العربي في حيرة بين احترامه لنفسه ولقرائه وبين التعامل العربي مع الخبر. فالكاتب يفقد فرصة التعليق على خبر مهم، خوفا من نفيه، واذا كتب وضع يده على قلبه خوفا من ان تنشر مقالته في نفس العدد من الجريدة مع خبر النفي. فالقاعدة ليست ان نتصارح مع الناس ونتعامل معهم بشفافية، لكن القاعدة ان نخفي المعلومات فاذا نشرتها الصحافة الاجنبية قمنا بنفيها، واحيانا نقوم بتأكيدها بعد النفي لانها تصبح حقيقة تسندها الادلة والبراهين.

لقد كنا في دفاعنا عن السلطة الوطنية في حادث السفينة بين مشكلتين، الاولى ان عددا من المحللين والزعماء الرسميين للسلطة نفوا الرواية واسموها «مفبركة» وتمثيلية وتحويل لافكار الرأي العام عن قضية السلام، والثانية ان تهريب اسلحة بهذه الطريقة هو عمل ساذج ويدل على جهل لاسباب كثيرة اهمها ان هذا السلاح لن يغير موازين القوى العسكرية للفلسطينيين، وايضا فان تهريب الاسلحة بهذه الطريقة المكشوفة، وعبر بحار تحكمها البحرية الاسرائيلية في ظل غياب الاخرين هو عمل مغامر لا يجوز ان يتورط فيه عاقل.

المهم، جادت علينا السلطة الفلسطينية بتكذيبها، فجدنا على القراء بتأييد السلطة فكنا وكان قراؤنا ضحية الالتزام وضحية الثقة المفقودة.