حقان ومقاومتان والمشكلة الدائمة!

TT

في لقائي الاول منذ ايام مع وفد من حركة الجهاد الاسلامي لمست اكثر من أي وقت مضى مدى الترابط بين الحقين اللبناني والفلسطيني والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية. كما لمست مدى ضرورة الوحدة الوطنية اللبنانية والوحدة الوطنية الفلسطينية للحفاظ على الكيان اللبناني ولاقامة الكيان الفلسطيني.

المشروع الاسرائيلي لا يستقيم إلا اذا تم طمس الهوية الفلسطينية وتصفية الحقوق الفلسطينية، ولا وسيلة لتحقيق هذه الغاية افضل من اقامة سلطة فلسطينية في احدى الدول العربية وتوطين الفلسطينيين خارج ديارهم.

وقد دار المشروع الاسرائيلي دورة كاملة. كان الفصل الاول فيه في الاردن، حيث كاد الفلسطينيون ان يؤسسوا فيه الوطن البديل الى ان انتهى الامر الى معركة «ايلول الاسود» في العام 1970. وكان الفصل الثاني الاكثر دموية في لبنان حيث انشأ الفلسطينيون سلطة فلسطينية في مختلف بقاع لبنان وانتهى الامر بالاجتياح الاسرائيلي في العام 1982. اما الفصل الاخير فيتمثل بمشروع توطين الفلسطينيين حيث يقيمون، ويتطلب الرد على هذا المشروع الحد الاقصى من الوطنية الفلسطينية ومن الوعي العربي على حد سواء.

اللبنانيون والفلسطينيون باتوا يجمعون على حق العودة ورفض التوطين، وباتوا يدركون ان المقاومة هي الطريق الى احقاق الحق، وان الوحدة الوطنية هي الحامية للمقاومة. وقد علمتهم التجارب القاسية ان الحقوق اللبنانية والفلسطينية متكاملة، وان المشروع الاسرائيلي يقوم على تحويل التكامل الى تناقض ليقضي على الحقين معا.

وقد رد اللبنانيون عبر مقاومتهم فحرروا الجزء الاكبر من ارضهم. ويرد الفلسطينيون عبر انتفاضتهم لتحرير الارض واقامة الدولة الفلسطينية. ولا ريب ان نجاح المقاومة اللبنانية اشعل الشرارة التي ألهبت الانتفاضة الفلسطينية.

وعلى غرار ما نجحت المقاومة اللبنانية في اجبار الجيش الاسرائيلي على الانسحاب من لبنان على الرغم من التوقعات المعاكسة، فإني لمقتنع بأن الانتفاضة الفلسطينية، اذا قدر لها ان تستمر، مهيأة لأن تفرض في المحصلة انسحاب الجيش الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية، على الرغم من كل الظروف الحالية غير المؤاتية.

واذا كانت اسرائيل هي «الشر المطلق» كما كان يعلن الامام موسى الصدر، فإن الولايات المتحدة هي «المشكلة المستديمة» كما يعرف الجميع. لقد كانت واشنطن وما تزال السند الكامل لاسرائيل والمشكلة الدائمة امام العرب في ازمة الشرق الاوسط.

وقد ازداد حجم المشكلة بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر) المنصرم. وتردت العلاقات الاميركية ـ العربية عشية القمة العربية المرتقبة في بيروت في نهاية آذار (مارس) المقبل، وقبيل زيارة نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني إلى بعض دول المنطقة.

بالطبع لا مصلحة عربية بأن تبقى العلاقات مع الولايات المتحدة على حال من التردي، ولكن اعادة تحسينها يتطلب معالجات جريئة ومعقدة، ومثلما هو مطلوب من الولايات المتحدة ان تعي الاسباب التي أدت الى ضربات نيويورك وواشنطن، فإنه مطلوب من العرب ان يعوا الظروف التي حملت الادارة الاميركية على الانحياز الى جانب ارييل شارون وحكومته.

وفي مراجعة للعلاقات الاميركية ـ العربية غداة احداث 11 ايلول (سبتمبر)، يتبين ان هذه العلاقات التي كانت متردية حتى قبل وقوع هذه الاحداث ازدادت ترديا. فقبل وقوع تلك الاحداث كان العرب ينتظرون من ادارة جورج بوش الضغط على ارييل شارون ليوقف حملته العسكرية ضد الفلسطينيين والعودة الى طاولة المفاوضات. ومنذ انتخاب الرئيس الاميركي تطلع العرب اليه على انه سيصحح الاختلال القائم لصالح اسرائيل، وانه سيضغط على ارييل شارون لاجباره على تنفيذ القرارات الدولية.

وبعد وقوع احداث 11 ايلول (سبتمبر)، ظل العرب ينتظرون من ادارة جورج بوش ان تفعل الشيء عينه، بينما كان الاميركيون ينتظرون من العرب ان يقفوا ميدانيا ومعلوماتيا الى جانبهم، وان يقضوا على نفوذ القوى الاصولية في بلدانهم، ولا يكتفوا باطلاق تصريحات المؤاساة والتأييد.

لكن العرب لم يبدلوا نهجهم في الانتظار، فاستغل ارييل شارون المجال فركب الموجة الاميركية لمكافحة الارهاب. ولم يقدر العرب ان يخترقوا العقل الاميركي الذي سرعان ما خلط بين الارهاب والاسلام والعرب، مما ادخلنا في زمن الاختلال في المفاهيم بعد ان كنا نعاني من الاختلال في الموازين.

ومما زاد في الوضع تأزما ان الولايات المتحدة اضفت على حملتها لمكافحة الارهاب طابع الفوقية المفرطة، وفرضت على دول العالم الخيار بين التعاون معها او مع الارهاب. ولم تستثن دول العالم العربي من تعاملها الفوقي، وطلبت اليها جميعا الالتزام الكامل بها ومدها بالمعلومات ومساعدتها على قطع مصادر تمويل المنظمات المعادية للولايات المتحدة ولاسرائيل ايضا.

اما معظم دول العالم العربي فما كان بمقدورها ان تتجاوب مع الولايات المتحدة على النحو الذي يرضي واشنطن ارضاء وافيا وكافيا، ولا اريد الغوص في الاسباب العديدة الخاصة التي أملت على كل من الدول العربية اتخاذ مثل هذه المواقف التي اتخذتها، بل اكتفي بذكر سبب عام مشترك يتعلق بسياسة واشنطن حيال ازمة الشرق الاوسط وانحيازها المطلق الى جانب حكومة ارييل شارون وخططها الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية، هنا تكمن المشكلة الكبرى.

ولا ريب ان ارييل شارون استفاد من الانحياز الاميركي والتردد العربي، فكان سباقا في وضع دولة اسرائيل وامكاناتها بتصرف الولايات المتحدة. وراح في المقابل يطالبها باسقاط الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والتغاضي عن الحقوق العربية، فيما كانت الدول العربية تسعى الى اسقاط ارييل شارون وتأمين الحقوق العربية قبل ان تضع نفسها بتصرف واشنطن.

والواقع انه من صالح الدول العربية ان تخرج وبسرعة من حالة التردد والتردي في العلاقات الاميركية ـ العربية، فتجري مقاربة جديدة في ضوء المصالح الاميركية ـ العربية المستجدة.

في المقابل لا بد من ان تقوم واشنطن باعادة النظر في سياستها الشرق اوسطية على اساس ان لا مصلحة اميركية في معاداة العرب بقصد استكمال «الحرب على الارهاب»، ولا مصلحة عربية في معاداة الولايات المتحدة بهدف احتواء ارييل شارون واستكمال «عملية السلام».

فهل يقدر العرب ان يبتكروا استراتيجية تجمع بين المطلب الاميركي في استكمال «الحرب على الارهاب» والمطلب العربي في اكمال «التسوية السلمية»؟

لست ادري اذا كانت جولة ديك تشيني المرتقبة هي الفرصة المؤاتية لطرح مثل هذه الاستراتيجية. ولا يقدر احد ان يتكهن ما اذا كانت العلاقات العربية ـ الاميركية على مشارف صياغة جديدة لإحياء حظوظ عملية السلام ام انها على تخوم المزيد من التردد والتردي؟

حتى الآن المشكلة ما زالت مشكلة!