وحّد تسد

TT

في عالم اليوم، وفي دنيا العولمة، واتفاقات «الجات» وقوانين التجارة الدولية، يدفع أصحاب النفوذ الاقتصادي، والتسويق الصناعي بتوحيد الدول والأسواق تلافيا لتعقيدات العملات المختلفة، وفوارق الصرف، وحسابات اكتوارية حول الفائض والناقص في هذه الصادرات وتلك الواردات، ولتسهيل قوانين التصدير والتوريد، ومن أجل خلق تماثل في قوانين الأسواق العالمية المختلفة.

ونرى أن دول مجلس التعاون الخليجي مثلا سارعت بتقديم توحيد التعرفة الجمركية العام 2003 بدلا من العام 2005 ، كما قررت دول المجلس توحيد العملة الخليجية بداية العام 2010، ولكني أعتقد أن قرار توحيد العملة سيقدم مثلما قرار توحيد التعرفة الجمركية لأن تسارع التغيرات العولماتية لن تسمح لدول المجلس بالانتظار، كما فرضت هذه المتغيرات الدولية ضرورة تسهيل انتقال المواطنين بين هذه الدول، والكل يتوقع مزيدا من الخطوات الوحدوية بين دول المجلس وبين دول عربية عديدة.

تتطلب المصانع والمنتجات الكبرى طلبيات كبيرة لكي يفتتح المصنع ويتم تشغيله بناء على حجم الطلب، فمثلا: لن يكون مصنع أمريكي أو ياباني أو ألماني على استعداد للتشغيل من أجل طلبية من دولة الكويت قيمتها عشرات الملايين من الدولارات ثمنا لبضع سيارات، ومصنع سفن تحت الطلب ليس على استعداد لفتح أبوابه وتوظيف كوادره وتجنيد عمّاله من أجل طلبية ثلاث سفن قطرية فقط على سبيل المثال، ذلك أن مثل هاتين الطلبيتين «مش محرزه»، ولكن لو اجتمعت أكثر من طلبية خليجية في طلبية واحدة لشراء شحنة أكبر من السيارات أو عدد أكبر من البواخر لكان ذلك أجدى للبائع، ولكان ذلك أفضل للمشتري، فالطلب يصبح أكثر، والسعر سيكون أقل.

الشاهد أن الاقتصاديات العالمية، والتغيرات العولماتية تفرض علينا التنسيق والتقارب من أجل خلق أسواق أكبر وأسهل تنظيما وأكثر تشابها في قوانينها، و«الاستعمار الجديد» ـ مع ما لهذه الكلمة من مدلولات ومضامين غامضة ـ سوف يعمل على توحيد الأسواق، وتوحيد العملات، وتوحيد القوانين التجارية بين البلدان المختلفة خدمة لمصالحه، وتسهيلا لتصريف بضائعه، ولذلك سوف يعمل هذا «الاستعمار الجديد» على توحيدنا لكي يتسيد على أسواقنا، وسوف يكون شعاره «وحّد تسُدْ»، بدلا من شعار الاستعمار القديم «فرّق تسُدْ»، وسوف يعمل هذا الاستعمار العولماتي الجديد من أجل الوحدة العربية، الأمر الذي تشدقنا به عقودا، وأصدرنا له عشرات الفرمانات التي لم تكن تستحق الورق الذي كتبت عليه، وصادرنا الحريات، وقمعنا الشعوب من أجل أن يتحقق هذا التقارب وهذه الوحدة.

إن استعمار العولمة ينشد توحيدنا خدمة لمصالحه، وعلينا أن نجهض مخططاته الاستعمارية بالتمسك بالفُرقة العربية، وعلينا أن نرفع شعارات «فُرقة حرية اشتراكية»، وأن نعمل على تكريس الفوارق القانونية والتجارية والجمركية بين دولنا كي نحبط مخططات الاستعمار، وأن نطالب بالتمسك والعودة إلى معاهدة «سايكس ـ بيكو» التي تمحور معظم أدبنا ونضالنا السياسي طيلة القرن الماضي لمحاربتها وإسقاطها،لا بل علينا أن ننادي ونناضل من أجل عودة حلف بغداد، والرجوع عن اتفاقية الجلاء، ومناشدة الفرنسيين العودة إلى الجزائر، والإيطاليين العودة إلى ليبيا، وهكذا...

إن على الجماهير العربية أن تخرج للشوارع مطالبة بالفرقة، وعلينا أن نحشد الجماهير في مظاهرات عارمة من المغرب حتى الخليج وشعارنا وصيحاتنا هي: «فُرقة... فُرقة عربية...»