ضجة في صفوف حلف الأطلسي

TT

استدعاء وزارة الخارجية الاميركية للسفير الفرنسي في واشنطن، فرنسوا بوجون دوليستان، للاعراب عن استياء ادارة الرئيس جورج بوش من وصف وزير الخارجية الفرنسي، هوبير فيدرين، لسياسته الخارجية بـ«الساذجة» و«السطحية» و«الاحادية الجانب»... إجراء دبلوماسي معمول به بين كل الدول. ولكن حصوله بين الولايات المتحدة وحليفتها الاطلسية، فرنسا، لا يعكس «ضيق صدر» ادارة بوش من الانتقادات الاوروبية العلنية لسياسته الخارجية بقدر ما يوحي بان تلويح واشنطن بالمضي، منفردة، في تنفيذ هذه السياسة لم يبلغ بعد مستوى القناعة المطلقة بان مواقفها الاحادية الجانب تغنيها عن تأييد حلفائها الاوروبيين.

باستثناء بريطانيا التي تغلّب الرابطة الانجلوسكسونية مع الولايات المتحدة على العلاقة الاطلسية، أعرب العديد من الدبلوماسيين الاوروبيين، خلال الاسابيع المنصرمة، عن قلقهم حيال السياسة الاميركية في الشرق الاوسط. وإذا كان الفرنسيون هم الآن الاكثر تعبيرا عن هذا القلق، فان دولا اوروبية رئيسية، مثل المانيا واسبانيا، تشاركها رأيها القائل ان الموقف الاميركي مائل كثيرا لصالح اسرائيل إن لم يكن منحازا لها. وفي لقائها الاسبوع الماضي، بدت دول الاتحاد الاوروبي مجمعة على ان جهود السلام في الشرق الاوسط معطلة، وإن لم تتفق كلها على تفاصيل مبادرة اوروبية جديدة للسلام المنشود.

قد يصعب عزل التباين الراهن بين موقفي الولايات المتحدة والعديد من حلفائها الاوروبيين حيال الشرق الاوسط و«الارهاب» عن تباين اعمق في مصالح الجانبين في منطقة لا يختلفان في تقويم اهميتها الاستراتيجية والاقتصادية. الا ان تباين هذه المصالح لا يشكل ذريعة كافية لتجاهل واشنطن الرأي الاوروبي في سياستها الشرق اوسطية، فالاوروبيون، بحكم واقعهم الجغرافي، أقرب الى ساحة النزاع، وبحكم ارثهم السياسي، أكثر خبرة بشؤون المنطقة، مما يجعل استشارتهم ـ وإن لم تكن واجبة ـ مطلوبة.

ومع تسليم الاوروبيين بان الولايات المتحدة هي واسطة العقد في حلف شمال الاطلسي وحلقته الاقوى، فان تجاهل رأيهم لا يعني فقط تجاهل دورهم على الساحة الدولية بل يعكس ايضا اتجاه الولايات المتحدة المتنامي الى التفرد بسياستها الخارجية من قضايا سوف تتحمل اوروبا قسطا وافرا من تبعات سياسة واشنطن حيالها. وإذا كان الاوروبيون يشكون اليوم من اتجاه واشنطن الى التفرد بقراراتها الخارجية فقد لا يكون من مصلحة الولايات المتحدة، ايضا، التفريط في علاقتها بالعديد من حلفائها الاطلسيين، فزوال الخطر السوفياتي ـ الذي كان يشكل الخلفية المشتركة لوحدة الحلفاء الاطلسيين ابان الحرب الباردة ـ قد يشجع هذه الدول على التحلل، بدورهم، من الرابطة الاطلسية، و«التفرد» بصياغة سياساتهم الخارجية خارج اطار الحلف والرأي الاميركي معاً.