لطخة سوداء في تاريخ الولايات المتحدة

TT

في التاسع عشر من فبراير (شباط) عام 1942، وقع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، أمراً تنفيذياً (يحمل الرقم 9066)، اعتبر فيه مناطق واسعة في غرب الولايات المتحدة «مناطق عسكرية» تحتاج حماية خاصة، ثم مضى الأمر إلى ما هو أبعد، فقد منح الجيش سلطة لإبعاد وإزالة «الغرباء الأعداء» من تلك المناطق.

وهكذا بدأت عملية أدت إلى جمع شتات واعتقال ما يزيد على 120 ألف شخص متحدرين من أصل ياباني، وكان ثلثا هذه المجموعة مواطنين أميركيين، بينما ولد نصف المجموعة بأسرها في الولايات المتحدة.

وهكذا، جرى انتزاع الأميركيين اليابانيين، مواطنين وغير مواطنين على السواء، من بيوتهم، وسيقوا إلى قطارات وباصات، بأمر عسكري، ونقلوا إلى معسكرات شيدت حديثاً في مواقع معزولة ظلوا فيها أربع سنوات. وفقد هؤلاء الأميركيون اليابانيون كل الحقوق المدنية والسياسية، كما عانوا من خسائر لا تحصى في الممتلكات والثروة الشخصية. وجرى تدمير مهنهم. وأكثر من كل هذا، بالطبع، معاناتهم من صدمة التعرض المطلق للأذى والإهانة بسبب اعتبارهم أجانب في البلد الذي ولدوا فيه.

وبينما سميت المواقع العشرة «مناطق إعادة إسكان»، فإنها لم تكن، في الواقع، أكثر من معسكرات اعتقال شيدت بطريقة فجة. وبينما أكدت الولايات المتحدة، رسمياً، أن هذه الإجراءات اتخذت للنهوض بأعباء الدفاع الوطني، فإن العنصرية هي التي كانت تكمن في جوهر اعتقال اليابانيين.

كانت أميركا في حرب مع ألمانيا وإيطاليا واليابان، غير أن من أرسلوا إلى معسكرات الاعتقال هم اليابانيون فقط. وبينما اعتبر هجوم اليابان على بيرل هاربور (في السابع من ديسمبر (كانون الأول) عام 1941)، السبب الرئيسي للأمر التنفيذي، فقد كان من الواضح أن أساس هذا العمل قد أقيم قبل سنوات كثيرة.

ففي أوائل القرن العشرين، برز الأميركيون اليابانيون، وعلى الرغم من التمييز، كجالية ناجحة وجريئة في كاليفورنيا، فقد كانوا يمتلكون عشرات ألوف الأكرات من الأراضي الزراعية، وأصبحوا قوة مهمة في الصناعة الزراعية في تلك الولاية. وكانت المشاعر المعادية للآسيويين قد فرضت ضريبتها على الجالية الأميركية اليابانية المتنامية. وأقر قانون يحرم المواطنة على الآسيويين المولودين في بلاد أجنبية. وفي عام 1913، أقرت كاليفورنيا قانوناً يحظر على الآسيويين تملك الأرض. وبحلول عام 1925، جرى تبني قانون موسع يحظر على الآسيويين حتى تأجير الأرض من جانب أكثر من ست ولايات أخرى.

وهكذا، فلم يكن الأمر سوى امتداد لهذه العداوة لكي نشهد تصنيف اليابانيين الأميركيين باعتبارهم «غرباء أعداء»، بعد بيرل هاربور. وكان أعضاء الكونغرس يتحدثون عن «أساليبهم الغادرة». وأشار المدعي العام لولاية كاليفورنيا إلى الأميركيين اليابانيين باعتبارهم «كعب أخيل» البلاد. وفي وقت لاحق أدى ضغط أعضاء الكونغرس إلى اصدار روزفلت الأمر التنفيذي سيئ الصيت، وإقامة معسكرات الاعتقال.

وكانت هذه الحكاية بأسرها، وفق كل المعايير، لطخة سوداء في روح أميركا، لا يمكن إزالتها بسهولة. واعتذر الرؤساء عن عمليات الاعتقال، وفي عام 1988، وبعد كثير من الضغوط، أقر الكونغرس تشريعاً يقدم تعويضات رمزية (20 ألف دولار لكل واحد من الـ 60 ألفاً من نزلاء معسكرات الاعتقال من الأميركيين اليابانيين الباقين على قيد الحياة). وهنا في واشنطن، ومباشرة في الجانب الآخر من مبنى الكابيتول، أقام الأميركيون اليابانيون نصب ذكرى الحرب، وهو رسالة تذكير فعالة بالمعاناة والاذلال الذي أنزلته العنصرية بالأميركيين اليابانيين.

أردت ابلاغكم بهذه القصة، والتعبير عن احترامي للأميركيين اليابانيين، جزئياً انطلاقاً من الامتنان للدعم الذي عبرت عنه تلك الجالية تجاه الأميركيين العرب.

والحقيقة أنه خلال أيام من وقوع الهجمات الارهابية الفظيعة يوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث بدأ رد الفعل العنصري المعادي للعرب، وجه الأميركيون اليابانيون إلي دعوة لالقاء خطاب أمام حشد تضامني كبير عند موقع نصب ذكرى الحرب الذي أقامه الأميركيون اليابانيون. وكانوا لا يريدون أن ينسى الأميركيون ان العنصرية غير المنضبطة يمكن أن تنمو وتفرض ضريبة بغيضة.

وهكذا، ففي الاسبوع الحالي حيث تحيي الجالية الأميركية اليابانية الذكرى الستين للأمر التنفيذي الذي أنكر على أفرادها حريتهم، وافق العرب الأميركيون بفخر على المشاركة في رعاية هذا الحدث.

لقد دفع الأميركيون اليابانيون ثمناً باهظاً، ولكن بما أن أميركا فكرت ملياً بما كانت قد فعلته من أذى لسمعتهم، فقد تعلمنا بعض الدروس، وأصبحنا شعباً أفضل. وسيلاحظ التاريخ أنه عندما أصدر روزفلت أمره، لم تمتلك سوى منظمتين وطنيتين الشجاعة لادانة تلك الخطوة: لجنة الأصحاب الأميركيين (الكويكرز)، واتحاد الحريات المدنية الأميركي.

واليوم، وارتباطاً بمعاناة الولايات المتحدة من صدمة وخوف مماثلين في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فليس الاميركيون اليابانيون وحدهم، بل معهم ما يزيد على مائة من المنظمات والجاليات المختلفة، التي تمثل الكنائس والجماعات الاثنية، ومنظمات الحقوق المدنية والمنظمات السياسية، قدموا أنفسهم لتحذير البلاد من السماح لخوفها بنكران حرية الآخرين. وانها لحقيقة قائمة أن الأميركيين العرب يواجهون بعض مشاكل التمييز والكراهية. فبعضهم يعانون من ردود فعل سلبية، ويقع آخرون ضحايا هيئات تنفيذ القوانين بطريقة مبالغة في حماسها. غير ان أميركا عام 2002 ليست أميركا عام 1942. وبحدود ليست قليلة، وارتباطاً بالتضحيات التي قدمها الأميركيون اليابانيون، والأميركيون الأفارقة وغيرهم، يمكن طمأنة الأميركيين العرب بأن التاريخ المروع لعام 1942 لن يتكرر اليوم.

* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن [email protected] http://www.aaiusa.org