إشارة سعودية مبشرة ومغرية

TT

كنت قد اقترحت في عمود كتبته مطلع هذا الشهر، ان تتوصل الدول الاعضاء بالجامعة العربية، والبالغ عددها 22 دولة، في مؤتمرها ببيروت في 27 و28 مارس (اذار ) المقبل، الى مشروع بسيط وواضح القسمات تتقدم به الى اسرائيل لكسر حلقة الجمود الاسرائيلي الفلسطيني الماثل. ويتلخص هذا المشروع في ما يلي: مقابل الانسحاب الاسرائيلي الكامل الى حدود 4 يونيو ( حزيران ) 1967، وتأسيس دولة فلسطينية، تقيم الدول العربية الـ22 علاقات دبلوماسية كاملة مع اسرائيل وتطبع العلاقات التجارية والامنية معها. الانسحاب الاسرائيلي الكامل، وفق القرار 242 للامم المتحدة، مقابل السلام الشامل بين اسرائيل وكل العالم العربي.

لم لا؟

اقوم حاليا بزيارة الى المملكة العربية السعودية، وتتم هذه الزيارة في اطار الانفتاح السعودي الذي يريد المسؤولون من خلاله توضيح موقفهم بصورة افضل للعالم، بعد ان اتضح ان 15 مواطنا سعوديا كانوا من ضمن المشاركين في هجمات 11 سبتمبر (ايلول). وقد انتهزت فرصة تناول الغداء على مائدة ولي العهد السعودي، الامير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، لاطرح الفكرة التي اقترحتها على الجامعة العربية. وكنت اعرف ان القادة العرب في الاردن والمغرب، وبعض كبار المسؤولين العرب، يتحدثون عن هذه الفكرة في مجالسهم الخاصة، ولكنهم لا يجرأون على طرحها علنا، الا اذا سبقهم اليها احد «الاخوة الكبار»، اي السعودية او مصر.

بعد ان طرحت هذه الفكرة، نظر الّي ولي العهد بدهشة مصطنعة وقال: « هل كسرت درج مكتبي؟».

قلت : « لا». وكنت اسائل نفسي: ماذا يقصد الامير؟

قال الامير عبد الله: «وجهت لك هذا السؤال لان هذه هي على وجه التحديد الفكرة التي تجول بخاطري. أي الانسحاب الكامل من كل الاراضي المحتلة، بما فيها القدس، وفق قرارات الامم المتحدة، مقابل التطبيع الكامل للعلاقات. لقد صغت مسودة خطاب بهذا المعنى. وكانت فكرتي القاء هذا الخطاب قبل انعقاد القمة، ومحاولة تعبئة كل العالم العربي حوله. هذا الخطاب مكتوب وهو في درجي الان. ولكنني غيرت رأيي ولم اطرحه عندما اقدم شارون على مستويات من العنف والقمع لم يسبق لها مثيل مطلقا». واضاف ولي العهد: «ولكني اقول لك، انني لو رفعت سماعة هذا الهاتف الان وطلبت من شخص ما ان يقرأ لك الخطاب، فانك ستجده مطابقا حرفيا لما كنت تتحدث عنه. كنت ابحث عن وسيلة اقول بها للشعب الاسرائيلي ان العرب لا يرفضونهم ولا يحتقرونهم. ولكن الشعوب العربية ترفض ما تفعله قيادتهم الان بالشعب الفلسطيني، من اعمال قمعية وغير انسانية. وفكرت ان مثل هذه الاشارة يمكن توصيلها الى الشعب الاسرائيلي».

قلت للامير انني سعيد بمعرفة ان السعودية تفكر على هذا النحو، ولكننا سمعنا من القادة العرب، مرات عديدة في الماضي، انهم كانوا على وشك ان يفعلوا هذا او ذاك، لولا ان ارييل شارون، او غيره من القادة الاسرائيليين، قطع عليهم الطريق. وعندما يتكرر ذلك يصبح من الصعب اخذه مأخذ الجد. وهنا سألت الامير: ماذا اذا وافق شارون والفلسطينيون على وقف اطلاق النار قبل انعقاد القمة؟

قال الامير:

«قلت لك ان الخطاب مكتوب، وهو ما يزال في درجي».

انني بذلت كل طاقتي لاطرح هذا بصورة مباشرة وبسيطة، من دون تضخيم ومن دون ضجيج ومن دون امال غير واقعية. وما اثار اهتمامي في ملاحظات ولي العهد، لم تكن افكاره وحدها، وهي ان طرحت للملأ لاعتبرت اكثر تقدما من كل ما طرحته الجامعة العربية في الماضي. ما اثار اهتمامي هو ان تلك الافكار جاءت في سياق حوار طويل لم يكن للنشر. واقترحت على ولي العهد انه ما دامت هذه الفكرة واضحة في ذهنه كل هذا الوضوح، حتى وان لم تزل في مرحلة المسودة، فلماذا لا يسمح بنشرها؟ حينذاك سيأخذها الجميع مأخذ الجد.

قال انه سيفكر في هذا الامر.

وفي اليوم التالي اتصل بي مكتبه وراجع معي ملاحظات ولي العهد، وقال لي: لا حرج عليك، انشرها على الناس. وها انذا انشرها.

معروف عن ولي العهد، الامير عبد الله، انه الاكثر نزوعا نحو القومية العربية من بين جميع القادة السعوديين. وهو قائد ذو شعبية عربية واسعة. واذا القى ولي العهد مثل هذا الخطاب، فانه سيحدث اثرا هائلا على الرأي العام العربي، بل سيحدث اثرا كبيرا داخل اسرائيل نفسها. ويبدو ان الاشارة التي يود الامير عبد الله ارسالها هي انه اذا قام الرئيس بوش بمبادرة جديدة من اجل السلام في الشرق الاوسط، فانه ومعه القادة العرب الاخرون، مستعدون لتقديم مبادرتهم ايضا.

استفدت كذلك من فرصة المقابلة وسألت الامير لماذا لم تعتذر بلاده للولايات المتحدة عن واقعة ان 15 سعوديا اشتركوا في هجمات 11 سبتمبر الماضي.

قال ولي العهد: «نحن ظللنا اصدقاء لاميركا لمدة طويلة جدا، ولم يدر بخلدنا انها يمكن ان تشك في هذه الصداقة. نحن شعرنا ان هذا الهجوم الذي قام به بن لادن وجماعته ، موجه الينا بنفس القدر، وكان الغرض منه تدمير العلاقة بيننا وبين الولايات المتحدة. وقد اصابنا حزن عظيم من جراء هذا الهجوم ولم نكن نعتقد انه سيقود الى هذا التوتر بيننا. ولكننا عرفنا ايضا اننا نستجيب للاحداث بطرق مختلفة، وما تزال الفرصة سانحة لنعبر عن اسفنا».

اما في ما يتعلق بمقولة «محور الشر»، والتقارير التي تتحدث عن احتمال ضربة عسكرية توجه الى العراق، فقد قال القائد السعودي: «يجب الا يكون هناك أي تفكير في تسديد اية ضربة على العراق، لان ذلك يخدم المصالح الاميركية، ولن يخدم المصالح الاقليمية او العالمية. ليس هناك من دليل على خطر يمثله العراق حاليا. وقد عبر العراق عن استعداده للتفكير في عودة المفتشين، وعلى الولايات المتحدة ان تتابع هذه المسألة لان عودة المفتشين ستحدد ما اذا كان العراق يتصرف وفق قرارات الامم المتحدة ام لا».

* كاتب وصحافي أميركي خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»