الرئيس.. المهندس أيضا!

TT

والآن هو المهندس والباني. وستُضم هاتان الصفتان الى قائمة صفاته التي وُضعت (او وضعها هو بنفسه) في الثمانينات والمؤلفة من مئة صفة وصفة (اكثر من اسماء الله الحسنى). انه الرئيس القائد.. الملهم.. الناصر والمنصور والمنتصر.. المهيب والمهاب.. المؤمن والمؤتمن.. صانع مجد العراق وعزّه وازدهاره.. وووووو.. حتى تتقطع الانفاس.

انه صدام حسين.. ما غيره.

«مكرمة» جديدة يسبغ فضلها علينا، وجانب آخر من شخصيته «العبقرية» يكشف لنا عنه بتواضع مفرط وتهذيب جم.

انه المهندس الباني.. الذي ألهمته قواه الخارقة وخياله الواسع فكرة وحدة سكنية ستحل مشاكل السكن في العراق وبلاد العرب اجمعين، بل العالم برمته.

ألم يأتكم نبأ المعجزة الرئاسية الجديدة؟ الاسبوع الماضي اعلن المدير العام لشركة المعارض العراقية هادي طالب ابراهيم في مؤتمر صحافي ان مهندسين من وزارة الاسكان والتعمير سيبنون خلال الايام المقبلة بالتعاون مع شركة التسويق الصناعي اللبنانية، الوحدة السكنية التي صممها الرئيس العراقي بطريقة تسمح بتوسيعها لاحقا، لتكون جاهزة في افتتاح «المعرض العربي للبناء» المقررة اقامته في بغداد من 24 إلى 29 الشهر المقبل.

وقال فائق الانصاري المهندس المشرف على المشروع في وزارة الاسكان والتعمير ان مساحة هذه الوحدة تبلغ في مرحلة اولى ثمانين مترا مربعا، موضحاً انها تتسم بامكانية توسيعها لاحقا. واضاف ان التصميم «يسمح ببناء غرف اخرى للدار التي يمكن ان تصل مساحتها بعد توسيعها الى 180 مترا مربعا»، مشيرا الى فكرة مشابهة طبقتها الدول الغربية وخصوصا بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وقال الانصاري ايضا ان هذا المنزل سيبنى «للمرة الاولى بمادة الاسمنت المسلح الخفيف المستخدمة في اوروبا والتي تؤمن عزلا حراريا كبيرا».

العام الماضي عرض التلفزيون العراقي لقاء لصدام مع عدد من المهندسين المعماريين ومع مدير الآثار العراقية. واللقاء بُث تلفزيونيا من اجل نقل حديث صدام الى ضيوفه. كان موضوع اللقاء يتعلق بمشروع معماري جديد امر هو ببنائه (كل شيء يجري في العراق يأتي بأمر منه ولا شيء يُبنى او يتقرر من دون امر منه). وراح الرئيس يتحدث عن العمارة العراقية القديمة لدى السومريين والبابليين.. كان يتحدث بلهجة الخبير وبنبرة الاختصاصي، ثم التفت الى مدير الآثار يسأله رأيه فيما قال، او بالاحرى يطلب منه الموافقة على ما قال، فلم يكن امام الرجل سوى ان يقول «صحيح سيدي»، ثم استرسل في الحديث كمن يتوسع في الموضوع.. لكنه في الواقع نسف كل معلومات صدام المغلوطة عن العمارة العراقية القديمة وسفّه كل آرائه.

والوحدة السكنية التي صممها الرئيس العراقي (اذا كان فعلا هو الذي صممها او اقترح فكرتها) لن تكون المعلومات التي استند اليها التصميم افضل حالا من معلوماته عن نظريات العمارة العراقية القديمة واصولها. فالرجل لا علاقة له، قريبة او بعيدة، بالهندسة والعمارة، ونتاج تصميمه في هذا المجال لن يكون احسن من نتاج افكاره وآرائه و«نظرياته» في مجالات السياسة والعسكرية.. بدليل هذا الخراب الاسطوري الذي حل بالعراق في ظله وتحت حكمه.

اما من نهاية لهذا العهد الذي لا يوفر فيه بعض «زعمائنا» ـ وربما اكثرهم ـ ادنى احترام لأنفسهم في الأقل؟

[email protected]