من مع وضد ضرب بغداد؟

TT

قطعا كل الحكومات العربية، بلا استثناء، ضد ضرب العراق لكن معظمها ليست ضد اسقاط نظامه، هذا على الاقل ظني الشخصي واعتقد انه مبني على ما يكفي من حقائق للنطق به. فمعاقبة العراق عسكريا مؤلمة للشعب العراقي ومؤلمة للحكومات العربية التي تحرج مع شعوبها وتتهم من قبل خصومها بالتخاذل، اما إنهاء نظامه فهي امنية صامتة. لهذا فان زيارة نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الى المنطقة ستكون حاسمة جدا للنظام العراقي. سيواجه تشيني برفض معظم المسؤولين العرب لأي تصعيد عسكري وسيستنكر عليه عدم شرعية شن الحرب، ولن يكون الرد عليه صعبا، فقرارات مجلس الأمن التي سبق للعراق ان قبل بها، مثل السماح للمفتشين الدوليين، اصبح رفضه يؤدي الى الحرب، خاصة ان إخفاء الاسلحة وتهديداتها اصبحت مرتبطة بتداعيات احداث سبتمبر. وتفعيل المعارضة لاسقاط النظام سيجعل التدخل مشروعا ايضا لحماية العراقيين، كما حدث مع الرئيس السابق سلوبودان ميلوشيفيتش في يوغوسلافيا لأنه إن ضرب مناطق متمردة سيجعل ضرب بغداد مشروعا، وتقديم المسوغات القانونية لن يكون صعبا. ان احدا لن يستطيع حماية العراق لسبب بسيط هو ان النظام لا يحمي نفسه، فهو يرفض فهم الاحداث السياسية بشكل صحيح، بخلاف السودان العدو لواشنطن الذي استدار بذكاء، او باكستان الحليفة المتهمة التي تقدمت الركب، وبقية الدول المعنية بالضغوط والملاحقة، بل ان بعض كبار حماة النظام هم الذين يتسببون في تدميره، وإلا كيف يتعمد وزير خارجية العراق المشي بحذائه على رسم لوجه الرئيس الاميركي امام كاميرات التلفزيون من قبيل اهانة الحكومة الاميركية في الوقت الذي يتدارس فيه الاميركيون ما الذي عليهم ان يفعلوه تجاه العراق؟ انه امر غريب عدا عن انه فعل سخيف من رجل في اهم منصب دبلوماسي ويصب في مصلحة التصعيد ضد بلده. لهذا انا واثق بأنه لا أحد في المنطقة يريد ان يُضرب العراق لكن الغالبية تريد التخلص من النظام بعد ان ثبت للجميع انه لا طائل من علاجه، وهي رغبة صامتة لن يبوح بها احد في عالم الدبلوماسية العربية التي تستخدم فيها قراءة الاشارات. فمنطقتنا مثل حارة يسودها اشقياء ويضطر سكانها الى تجنبهم بل دفع «الخوة» لهم، لكن في دواخلهم يدعون الله ان يأتي اليوم الذي يذهب فيه هؤلاء الاشقياء الى غير رجعة، هذه هي حال المنطقة. اما اميركا فلها حساباتها، فهي في نظر نفسها اصبحت مثل الحائط القصير، الكل يريد القفز من فوقه بدليل كثرة العمليات الارهابية ضدها الواردة من منطقة الشرق الاوسط من دون رادع، وهي تريد كما قال توماس فريدمان في مقاله قبل اسبوع ألا تصبح مثل البدوي الذي اضاع ديكه، فالاميركيون يريدون تأديب نظام كبير حتى تتأدب البقية.

في خضم هذا الوضع الصعب جدا، فان ما يمكن ان يقال لحكومة بغداد بكل صدق ان عليها ان تتنازل، كما نصحت قبل حرب تحرير الكويت، ورفضت النصيحة خمسة اشهر بغطرسة ادت في النهاية الى كسر قوتها وعزلتها. الآن على النظام ان يحني رأسه للعاصفة إن كان يريد البقاء، وان يتحول تماما من دولة بنادق وعسكر واشقياء الى دولة مدنية مسالمة بلا طموحات عسكرية.