قتل بيرل... عمل معزول

TT

لقد أضحى هناك تقليد في أوساط الاعلام العالمي يتحاشى الاشارة إلى المخاطر التي يتعرض لها المراسلون في سياق عملهم المهني سعيا وراء المعلومات والأخبار للقراء والمشاهدين، فالصحافة لها مخاطرها شأنها شأن المهن الاخرى، اذ قتل خلال العقد السابق وحده ما يزيد على 150 صحافيا خلال اداء واجبهم بما في ذلك تغطية النزاعات المسلحة، كما جرح الكثير منهم بينما يقبع مئات آخرون في سجون عدد من الانظمة الحاكمة على امتداد العالم. الصحافي الاميركي دانيال بيرل، الذي اختطفه مجهولون في باكستان الشهر الماضي، كان احدث ضحايا المهنة، وعقب اسابيع من الغموض أكدت وزارة الخارجية الاميركية مقتله بينما عملية تعقب قتلته مستمرة.

كان بيرل، الذي عمل في صحيفة «وول ستريت جورنال»، من النجوم الصاعدة في سماء الصحافة الاميركية، كما كانت له علاقة خاصة مع العالم الاسلامي منذ تغطيته لحرب تحرير الكويت عام .1991 وتشير معظم اعمال بيرل الصحافية على فهمه العميق لحساسيات المجتمع المسلم، ورغبته في عكسها بصورة دقيقة بقدر الامكان للقراء الذين يشكل الاميركيون غالبيتهم.

كان بيرل يهدف الى بناء جسر للتفاهم بغرض ردم هوة سوء الفهم. الا انه اختطف وهو في طريقه الى اجراء لقاء مع زعيم اصولي باكستاني.

هل كان بيرل ضحية التنافس الموجود بين العديد من المجموعات الاصولية؟ قد لا تتوفر اجابات كاملة على هذا السؤال وغيره من الاسئلة المتعلقة بجريمة قتله المأساوية. ولكن مهما يكن من امر، لا بد من ناحية من اصدار ادانة قوية لهذه الجريمة، ومن ناحية ثانية التأكيد على ان قتل بيرل لا يعدو كونه حادثا معزولا ولا يمثل بأية حال موقف المسلمين تجاه الصحافة. فالاجماع على ادانة هذه الجريمة من قبل الدول المسلمة أثبتت وستثبت اكثر ان من ارتكبوا هذه الجريمة ليسوا اكثر من مجرمين عاديين، وبالتالي لا يجوز ان ينسبوا الى أي آيديولوجيا او عقيدة دينية او موقف سياسي. فالمسلمون يدركون اليوم ان افضل السبل لايصال مظالمهم الى اسماع دول العالم يكمن في تشجيع الانسياب الحر للمعلومات بمساعدة مراسلين مثل بيرل، ذلك ان أي عمل يحبط او يعيق التغطية الكاملة للاحداث في العالم الاسلامي بواسطة وسائل الاعلام العالمية سيكون في نهاية الامر ضد المصلحة العامة للشعوب المسلمة في كل مكان.

ايضا على اسرة بيرل واصدقائه ان ينظروا الى مقتله في سياق كونه فعلة ارتكبتها مجموعة لا تمثل سوى اقلية من المتشددين التي لا تقدر ان ما يحتاجه العالم المعاصر مزيد من المكاشفة والشفافية والفهم.