التأثير الممكن لمبادرة الأمير عبد الله

TT

تعتبر الاخبار المتداولة عن تفكير ولي العهد السعودي الامير عبد الله التقدم بمبادرة رئيسية لكسر الجمود الذي أصاب جهود السلام في الشرق الاوسط، تطوراً مرغوباً جداً. ورغم اشارة ولي العهد للتحفظ عن الاقدام في جهوده، وذلك بسبب سياسة وتعنت شارون، فانني اشجع لاسباب كثيرة استكمال هذه المبادرة.

اذا ألقى ولي العهد خطابه المقرر، واذا تبع ذلك جهود على مستوى دولي لتعزيز المبادرة، فمن المحتمل ان تكون النتائج درامية وحتى ثورية، وذات تأثير في عدة ساحات: عربية، فلسطينية، اميركية، اوروبية وفي اسرائيل.

في البداية من المهم تفحص مكونات الواقع. وضع الشرق الاوسط الحالي يصرخ طلباً للقيادة. الوضع المأساوي في فلسطين يتحول من سيئ الى أسوأ ويدمر البشر والامل. العنف المركز فتح الشهية على المزيد من العنف، والقسوة الاسرائيلية الفائقة الى جانب الرد الفلسطيني عليها، يهددان بتحويل فلسطين الى ما يشبه وضع المأساة في الشيشان، بينما تواصل الولايات المتحدة الاميركية حربها الشرسة ضد الارهاب وتبحث عن انتصارات جديدة، فهناك قلق حقيقي ومبرر في العالم العربي خوفاً من خطر فقدان السيطرة والامكانية لتشكيل المستقبل الذاتي. لقد تضخمت الرؤية السياسية في اميركا واسرائيل بالتغذية على تنظيرات العداء للعرب، مما اضعف موقف اولئك المؤيدين للسلام العادل والدائم والمطالبين بعلاقات فعالة مع العالم العربي. في مقابل ذلك كله هناك صحوة لقوى السلام بعد طول انتظار، فقد تحدث العديد من وزراء اوروبا ومسؤولي الاتحاد الاوروبي مطالبين ببداية جديدة لعملية السلام في الشرق الاوسط. وفي اسرائيل تمردت مجموعات ضباط احتياط على الواجب العسكري بالخدمة في الارض المحتلة، وطالب خبراء عسكريون بالانسحاب المنفرد من مناطق واسعة من الارض المحتلة، ونظمت حركة «السلام الان» اخيراً واحدة من اكبر مظاهراتها في السنوات القليلة الماضية. وحتى في الولايات المتحدة هناك ظواهر تغيير، اذ تقدمت مجموعات دينية هامة وطالبت بتدخل اميركي فعال ومتعادل في صنع السلام، وتجمع النشطاء من المؤيدين للقضية الفلسطينية في عدة مدن لتحديد استراتيجية لخطة عمل لصالح الحقوق الفلسطينية.

المطلوب الان هو مبادرة رئيسية تؤدي لدفع تلك الجهود للامام، اقتراح ولي العهد، اذا توسع لمشروع ومبادرة سلام شاملة، يمكن ان يصبح أداة الدفع المطلوبة. وفي ما يلي البنود التي اعتقد بامكانية ضمها للمشروع، وما يمكن تحقيقه من تلك الجهود:

الجوهر والمهارة في مبادرة ولي العهد، كما افهمها، انها تحدد شكل نهاية العملية السلمية وتعكس رؤية للسلام والرخاء والامن لكل الناس في الشرق الاوسط. وما يمكن للمبادرة ان تحدده ايضاً في خطوات جلية هو الطريق الواجب سلوكه للوصول لتلك النهاية. مبادرة ولي العهد تبني في نواح عديدة على مقترحات الملك فهد للسلام وعلى قرارات سابقة لقمم عربية. الانسحاب الكامل في مقابل السلام الشامل على اساس تطبيق تام لقراري مجلس الامن الدولي 242 و.338 والمطلوب لتحريك هذه المبادئ الهامة للامام هو مشروع وجدول زمني للتعامل مع القضايا الحساسة التي عطلت جهود السلام الى الآن.

يجب اعطاء اسرائيل بديلا واضحا، وليس خيارات. لقد فشلت الجهود الماضية التي لم تكن نهاياتها محددة. فقد بلعت اسرائيل كل مبادرات حسن النوايا وبناء الثقة دون مقابل، (انهاء المقاطعة العربية، اقامة مكاتب تجارية، الاشتراك في المؤتمرات الاقليمية الاقتصادية)، وواصلت بناء المستوطنات وتنصلت من تطبيق الاتفاقيات المعقودة مع الفلسطينيين. ما يجب على أي مبادرة عربية ان تفعله هو تقديم صورة واضحة وشاملة لاسرائيل عن مرحلة ما بعد السلام من منظور التعاون الاقتصادي والامني. ولكن يجب على المبادرة ان تكون واضحة: اذا ارادت اسرائيل هذا التطبيع والتجارة، فعليها الموافقة على شروط جلية من الانسحاب، وكف اليد عن الارض والثروة الطبيعية والحدود، وحتى الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة الاستقلال.

مبادرة ولي العهد، وعندما تدعمها قمة عربية، ستعطي مدلولا قويا، اذ ستقدم للعرب قيادة واتجاها في وقت يحتاج العالم العربي فيه لكليهما. وبدل انتظار الولايات المتحدة او اوروبا، يمكن للامة العربية ذاتها ان تحدد برامجها وشروطها للسلام، وستعطي المبادرة ايضاً دعماً للفلسطينيين المحاصرين ولقيادتهم، هم بأشد الحاجة اليه، وستمنحهم الامل والشعور بالتضامن الذي يستحقونه في هذا الوقت الحرج من تاريخهم. مبادرة عربية قوية كهذه ستؤثر ايضاً في اوروبا وستشجع الاتحاد الاوروبي على اتخاذ قرارات اوضح الى جانب عملية البحث عن السلام. وسيكون هناك تأثير ايجابي في الولايات المتحدة، اذ بتحديد شروط وآفاق السلام ورسم الطريق الواقعي لتلك الغاية، سيتمكن العرب من تعطيل اسلحة البروباغندا المعادية لهم. ولان مبادرة عربية كهذه يمكن طرحها كقبول وتنفيذ لرؤية الرئيس بوش والوزير كولن باول، فإنها سوف تساعد في كشف الصورة امام الرأي العام الاميركي وتبيان من هم الذين مع السلام ومن هم ضده. ان تأثير مبادرة كهذه على اسرائيل لا يجب الاستهانة به، اذ ستُنشط اكثر تطورات الحوار في المجتمع، وتُضعف المتشددين امثال شارون ونتنياهو، الذين يملكون الان تأييد الاغلبية. وسيكون المطلوب من اجل تحقيق السلام، افشال التحالف الحاكم في اسرائيل وتقوية الحركة باتجاه انتخابات جديدة وانجاح حكومة تسعى لانهاء الاحتلال والتدمير ضد الفلسطينيين. ولا توجد ضمانة طبعاً ان مبادرة سلام عربية يمكنها إحداث هذا الاثر والنتيجة في اسرائيل، ولكن هذا الجهد العربي يعكس افضل الامكانيات للتشجيع على حركة كهذه للامام.

سيكون من المهم ان لا تُهمل هذه المبادرة بعد اشهارها في قمة عربية. يجب ان تتبعها بالونات اختبار اخرى مثل الذي اطلقه ولي العهد في «النيويورك تايمز». يجب ايضاً ان تتبع بحملة سياسية متواصلة لتمرير المبادرة على الجميع في الوطن العربي وفي اوروبا وفي الولايات المتحدة. وسيحاول اعداء السلام بالطبع تنفيس وتجريد هذه الجهود، ولكن يمكن هزيمتهم، كما يمكن ربح الرأي العام في الغرب. ولن يكون سهلاً كسب تلك المعركة، والصراع من اجل السلام لم يكن سهلاً ابداً، ولكنه صراع يستحق الخوض فيه.

www.aaiusa.org

* رئيس المعهد العربي الاميركي