قبول بريطانيا دور المتفرج على ضرب العراق غير ممكن

TT

هناك ترابط منطقي يجب استيعابه لمجابهة الارهاب الدولي، لن يتحقق استقرار، في الشرق الاوسط، ما لم تمارس الولايات المتحدة الاميركية ضغطا على الجانبين من اجل تسوية اسرائيلية ـ فلسطينية دائمة. ومن الصعب على اميركا ان تفعل ذلك، لان الكثيرين جدا من سكانها يؤيدون القضية الاسرائيلية بحماس. ولا يمكن لاية ادارة اميركية، بصرف النظر عن انتمائها السياسي، ان تمارس مثل هذا الضغط على اسرائيل، في الوقت الذي ينتاب الاسرائيليين خوف مشروع من هجمات عراقية بالصواريخ، وزعزعة ايرانية للامن، عن طريق المنظمات الارهابية وامدادات السلاح. ولكن الشعب الايراني لن ينحاز الى الجناح المعتدل بقيادة خاتمي، ويضطلع من خلال هذا الاختيار الحر بهزيمة الجناح الرجعي الكهنوتي التابع للخميني، الا بعد ان يرى الولايات المتحدة وهي تطيح بالنظام العراقي وتضع بديلا له.

هنا، تواجه الدبلوماسية البريطانية، وهي الحليف الاساسي للولايات المتحدة في الحرب الحالية، تحديا كبيرا وخطيرا. عندما تحدث وزير الخارجية الاميركي كولن باول، المعروف بانه من المعتدلين او الحمائم، ان كان ذلك يعني شيئا، امام الكونغرس قبل عدة ايام، عن الحاجة الى «تغيير النظام» في العراق، وهو امر قال ان الولايات المتحدة ربما «تضطر لاحداثه وحدها»، فانه كان يعكس اعتقادا لديه باحتمال اختيار بريطانيا موقف عدم التدخل في مثل تلك الحرب.

ظلت بريطانيا الى جانب الولايات المتحدة منذ ان دخلت القوات العراقية الى الكويت عام 1990. وبقينا معهم عندما خططنا سويا، وارسلنا قواتنا الى مسارح العمليات في الخليج عام 1991. وكنا معهم كذلك، في بعض السياسات الفاشلة تجاه العراق، في في منطقة الحظر الجوي في شمال العراق، والتي قادت الى حماية الاكراد، وكذلك في الجنوب لحماية عرب الاهوار. وفي كل تلك المعارك، كنا نخاطر بارواح جنودنا وطيارينا جنبا الى جنب مع جنود الولايات المتحدة وطياريها.

وبالنسبة لبريطانيا، التي قال رئيس وزرائها للولايات المتحدة، بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول)، اننا سنكون اول من يدخل الحرب ضد الارهاب وآخر من يخرج منها، فان نتائج انسحابها من المعركة لتغيير النظام العراقي، ستكون خطوة ساحقة لمصداقيتها الدولية. سنبدو حينها مثل الحوت الذي لاذ بالساحل، كاذبا ومنفوخا.

وليس الامر هنا كما كان عليه ايام حرب فيتنام. في حينه كان الرأي العام الاميركي منقسما على نفسه بصورة عميقة. أما إزاء صدام حسين فالولايات المتحدة موحدة بقوة حول عمل يوجه ضده. المخاطر العسكرية واضحة هنا، ولكن المكاسب السياسية واضحة كذلك. ويبدي الاميركيون استعدادا اكيدا بتحمل بعض الاصابات، في عمل وقائي سيلقى التأييد الكاسح من الرأي العام، في الشرق الاوسط، بمجرد حدوثه. ونحن لا نتوقع من حكومات مكشوفة الظهر ان تؤيد عملا لا يلقى التأييد الشعبي حاليا، ولكننا لا نشك اننا سنشهد مظاهر الاحتفال والغبطة نفسها التي شاهدناها في شوارع كابل بعد سقوط طالبان.

من الصعب المبالغة في العواقب التي تواجها المملكة المتحدة اذا انسحبنا من التحالف الجغرافي الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وفشلنا في المشاركة في العمل العسكري، اذا مُنح مفتشو الاسلحة، التابعون للامم المتحدة، حقا غير مشروط لمباشرة مهامهم في العراق. تقرر بدء عمل مفتشي الامم المتحدة عقب هزيمة القوات العراقية، اذ نص القرار على منح المفتشين الحق في البحث عن اسلحة الدمار الشامل العراقية وتدميرها سواء كانت اسلحة نووية او بيولوجية او كيماوية. فالعراق كان قد استخدم الغازات السامة ضد شعبه وضد القوات الايرانية، كما وضع اسلحة بيولوجية في رؤوس الصواريخ، ولحسن الحظ فان ما اطلقه من صواريخ على تل ابيب، خلال حرب الخليج الثانية، لم يكن من تلك النوعية. وبالعودة الى ايران، فانني لا اتفق ووجهة النظر التي تقول، ان سجل ايران، خلال الاشهر الاخيرة، كان سيئا. فقد ظهرت مؤشرات على تعاون طهران في ما يتعلق بالوضع في افغانستان، كما ساعدت في مؤتمر بون، الذي وضع الاساس لفكرة الحكومة الائتلافية الانتقالية في افغانستان. وساعدت طهران كذلك، في اقناع اسماعيل خان، الذي كانت تؤيده في السابق، بقبول العمل كحاكم لمحافظة هيرات، وليس المحافظات الاربع الاخرى التي كان يطمح للعمل حاكما لها. وساعدت طهران ايضا، في اقناع برهان الدين رباني، آخر رئيس لافغانستان تعترف به الامم المتحدة قبل انهيار نظام طالبان، بعدم التوجه الى العاصمة كابل على رأس قوات مسلحة تابعة له، في الوقت الذي كان يدرك فيه الجميع ان من شأن هذه الخطوة التأثير سلبا على الاجماع في افغانستان. ومع ان هذه كلها مؤشرات ايجابية، فإن ايران لا تزال مستمرة في زعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط، ودعم «حزب الله»، وادارة معسكرات تدريب، وتزويد جهات بالسلاح، مثلما حدث في حالة سفينة الاسلحة التي ضبطتها اسرائيل وهي في طريقها الى الفلسطينيين.

اما بالنسبة للذين انتقدوا، في اوروبا، حديث الرئيس جورج بوش حول «محور الشر»، فمن الاجدى ان يتذكروا ان هناك الملايين في العراق وايران وكوريا الشمالية الذين يقرون هذا الوصف تماما، مثلما كان هناك الكثير من ذوي التفكير الليبرالي الذين رحبوا بوصف الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان للشيوعية السوفياتية بـ«امبراطورية الشر».

*خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»