لغة الشر والشيطان (1) ـ حرب القواميس

TT

تحرك «الشيطان الأكبر» للرد فوصف خصومه ثلاثاً «بمحور الشر». لغة الحرب الباردة تنتقل من فريقي الصراع، اميركا وروسيا، الى فرقاء كثيرين، حصرهم جورج بوش بثلاثة انظمة من الشرق: الجمهورية الاسلامية التي ابقت العلم الايراني من دون تغيير، والجمهورية البعثية الاشتراكية في العراق التي اضافت الى علمها عبارة التكبير، وجمهورية الرفيق كيم جونغ ايل نجل الزعيم المبجل كيم ايل سونغ.

انها حرب القواميس. او حرب الالفاظ. او حرب الكلمات. او الحرب النفسية. لكنها ساحة، او سلاح، لا بد منه، وقد اجاده، على الدوام، الفريق الذي يتكل على القاموس اكثر من الاتكال على المعاني. ففي حين اكتفى الغرب باطلاق صفة «الستار الحديدي» على بلدان الكتلة الاشتراكية، التي كانت تفضل ان تسمي نفسها «المنظومة الاشتراكية»، اخترع الشيوعيون ألقابا لا حد لها لوصف الغرب واصدقائه وحلفائه، فكانت الصين تسمي اميركا «نمرا من ورق»، وكانت موسكو تسميها «الرأسمالية الجشعة» وتسمي مواليها «عملاء حلف الناتو» و«عملاء السنتو» و«ازلام وكالة الاستخبارات المركزية» و«الخونة»، فيما اطلقت المرحلة الناصرية على خصومها جميعا صفة «عملاء الاستعمار» و«اعوان الاستعمار» و«اذناب الاستعمار»، ثم تم اكتشاف مصطلح «الامبريالية» فتحول الجميع اليها دفعة واحدة واصبح العملاء عملاء «الامبريالية». ولم تكن الشعوب تعرف معنى الكلمة، لكنها كانت تطرب لها في وضوح: انها تعني، في اسوأ الاحوال، ما نريد ان تعني وما نحب ان نقول.

يعود الفضل الاكبر في ذلك دون شك، الى مهرة الرفاق في الحزب الشيوعي السوفياتي، الذين رأوا ان من الضروري ان تبيد الثورة كل ما ومن سبقها الى الوجود. فأصبح الماضي «رجعياً» والمعترض الحزبي «منحرفا» وتيتو «انحرافيا» لانه اختار الحياد. وتراشقت موسكو وبكين بكرات من التعابير المشابهة واختلفت العاصمتان على تفسير كارل ماركس وعلى وسائل الاستعانة بالرفيق فلاديمير ايليتش لينين وردت كل منهما ان الماركسية ـ اللينينية الحقة من حقها وحدها دون سواها وما خلا ذلك خروج على مبادئ لينين. وستالين. آه، لقد نسينا الرفيق يوسف ستالين الذي كان أب وراعي وملهم كل هذه التعابير.

لكن بعد وفاة ستالين العام 1953، تم انعقاد اول مؤتمر حزبي بعد موته في مثل هذا الوقت، العام 1956 وقف نيكيتيا خروشوف يهاجم «الأب الصغير» للشعب وعبادة الذات وحملات التطهير وشعار «عدو الشعب» والتهم الملفقة ضد الابرياء، وقال «بين العام 1937 و1938 وصف عدد كبير من اعضاء الحزب بالاعداء، لكن هؤلاء لم يكونوا اعداء ولا جواسيس ولا مخربين».

غير ان هذه التعابير انتقلت بسرعة وسهولة الى القاموس السياسي العربي الذي اضاف اليها من روائعه الكثير، وكانت الاذاعات تنفث كل يوم في الاجواء ما تنفثه عوادم المازوت في شوارع بيروت اليوم: سم في الهواء ودخان بلا طاقة وطاقة بلا فائدة. واضيف الى تعابير «الجواسيس» و«الخونة» اوسمة رسمية اخرى مثل «الكلاب الضالة». كما اضيفت الى الاوصاف منظومة من اسماء الحيوانات الاليفة، التي تنم عن اذواق اصحابها في المأكولات.

والى اللقاء