توازن رعب يسبق النصر الكبير

TT

القصة نفسها تتكرر، والحكاية باتت محفورة في اذهان الناس وفي أعماقهم جميعاً.

لقد حانت ساعة الجلاء والرحيل عن الأرض المحتلة في فلسطين، تماماً كما حصل مع جنوب لبنان.

انها معركة ربع الساعة الاخير التي يعيشها ابناء شعب الجبارين، ومعركتهم الفاصلة التي تسبق النصر الكبير.

شارون، حين تسلم رئاسة الحكومة، ظن أنه قادر على هزيمة الشعب الفلسطيني خلال مائة يوم، فوعد ناخبيه بالأمن غير ان كل مراقب محايد يستطيع ان يكتشف اليوم وبسهولة بأن شارون لم يفشل في تحقيق الامن لناخبيه، بعد انقضاء المائة يوم، وحسب، بل بعشرات آلاف الاسرائيليين باتجاه ابواب السفارات الاجنبية في تل ابيب، بحثا عن هجرة، أو لاستعادة جنسياتهم الاصلية، كما تكتب صحافة العدو يومياً.

اذا كان صحيحاً ان عدداً كبيراً من الفلسطينيين يسقط يوميا فإن الصحيح أيضاً هو قيام نوع من توازن الرعب آخذ في التحكم في معادلة الصراع.

لم يعد الفلسطيني وحده يسقط مضرجا بدمه أو يتألم فها هم الاسرائيليون يتألمون ايضاً.

على صعيد آخر يتزايد الضغط ويتعاظم على الطرف الفلسطيني المفاوض أو المستعد للتفاوض، لا من اجل منحه امتيازات، فليس في الافق، على ما يبدو، شيء من هذا القبيل، حتى الآن على الاقل، بل من اجل دفعه للضغط على ابطال الانتفاضة وكوادرها والاشتباك معهم، لعل ذلك يفرز معركة داخلية أو يقود الى حرب اهلية.

وهنا بالذات، فإن المطلوب اكثر من أي وقت مضى، العض على الجراح والتحمل والصبر على الاذى، والرهان على عامل الزمن لأنه كفيل بشق صفوف العدو الذي يتهاوى وهو يتعرض لضغوط المقاومة والصمود.

انه سباق من يتحمل اكثر، الاسرائيلي الغاصب والمحتل بات في اسوأ ايامه فلا داعي لامهاله وقتاً للتفكير أو للشماتة بنا أبداً.

قد يكون شعبنا يعاني حصاراً مادياً، أو تقطيعاً جغرافياً، أو نقصاً في الامكانات الاقتصادية والطبية وغيرها، لكن العدو يعاني بالمقابل حصاراً نفسياً اشد واقوى من أي حصار. انه سجين انانيته وغروره وتعجرفه ولا يريد ان يقر بالهزيمة والفشل بسهولة.

لكن ذلك اليوم بات قريباً، وقريباً جداً. والامر هنا ليس شعاراً يرفع بل هي حقيقة تتراءى للناظرين بعمق الى داخل المجتمع الاسرائيلي الذي بدأ يستعد لحزم حقائبه استعداداً للرحيل، ولا يحتاج الامر سوى مزيد من رصِّ الصفوف وزيادة الضغط الكفاحي.

ان يستخدم المحتل والجلاد كل اسلحته الثقيلة وكل انواع الفتك والعدوان والارهاب ضد المدنيين وهو يتشدق بالمفاوضات والحلول السلمية، فإن ذلك خير دليل على عجزه وضعفه وهوانه الروحي والنفسي.

ان كل متتبع للعمليات النوعية التي ينفذها المجاهدون الفلسطينيون ضد قوات الاحتلال يدرك تماماً بأن العد العكسي لمجرم الحرب شارون واتباعه قد بدأ، وان رحيله وسقوط حكومته بات مسألة وقت.

رحم الله خليل الوزير (ابو جهاد)، شهيد الرصاصة الأولى واول الحجارة، حيث كان يقول: ان الضابط أو الجنرال الوحيد القادر على هزيمة المناضلين، قد يكون اسمه الضابط «ملل».

المطلوب كسر شوكة هذا الجنرال بالصبر والتحمل وطول النفس والتمسك بحبل الوحدة الوطنية وعدم السماح للفرقة أو التشتت في الميدان أو الخطاب السياسي والاعلامي ان يدخل الوهن أو الملل الى صفوف الثوار والشعب المتراصة.

ومن يهزم هذا «الجنرال» المعنوي لقادر بالتأكيد على هزيمة كل جنرالات العدو في الميدان وفي مقدمتهم شارون.

لقد قيل للامام علي رضي الله عنه: كيف تنتصر بالحرب على عدوك فقال: «انا ونفسه عليه».

أي انه كان يهزم عدوه بقوة النفس والعزيمة وانزال الهزيمة النفسية بالعدو اولاً وقبل الدخول في ميدان المبارزة والنزال.

نعم، المطلوب اليوم ايضاً دعم المقاتلين والمناضلين الفلسطينيين باعلام مساند قوي يركز على نقاط قوة الصديق ونقاط ضعف العدو.

واهلنا في فلسطين اليوم يتمتعون بنقاط قوة ما يعينهم على النصر المؤزر والاكيد، بالمقابل، ان عدونا يترنح تحت ضربات المجاهدين وبات يتسكع على ابواب سفارات الدول الاجنبية بحثاً عن موطنه وجنسيته الحقيقية، فاراً بجلده من الجحيم، جحيم الاحتلال والاغتصاب والعدوان الذي ظن انه لن يصيبه منه في شيء فإذا به ينقلب عليه تماماً.

انها معركة فاصلة رغم ألمها الكبير، انها فعلاً معركة ربع الساعة الاخير، معركة هزيمة شارون وزبانيته، مقابل انتصار فلسطين وعالمها الصاعد والواعد.

ان كل من سمع مجرم الحرب شارون وهو يتحدث عن ضرورة ايجاد مناطق عازلة بين كيانه ومناطق الاحتلال في اراضي الـ 1967 المحتلة، يفهم تماما ان شارون بات يشعر بشدة الضغط الذي يشتد عليه من جراء مقاومة الشعب الفلسطيني الباسلة لمشروعه الامني الفاشل.

ويوماً بعد يوم سيتأكد للعالم بأن شارون هو المحاصر وهو المنعزل وهو الذي يعيش خارج سياق حركة الامم والشعوب، وسيأتي اليوم الذي سيضطر فيه للجلاء أو كما سماه هو «بالتنازلات المؤلمة».

لقد اقتربت ساعة الحقيقة، ساعة ارتجاع جزء من الحق الفلسطيني الثابت في الارض وفي المعاني. وعندها سيفرح الصابرون وينهزم المثبطون.