أموال اليهود عند العرب!؟

TT

تدبر حكومة الوحدة الوطنية الاسرائيلية برئاسة اريل شارون، مؤامرة كبرى ضد الوطن العربي بادعائها ان 900 ألف يهودي عند هجرتهم من الاوطان العربية تركوا وراءهم ثروات طائلة، تقدر بعشرات آلاف الملايين، في شكل ممتلكات خاصة تمثلها ارصدتهم في البنوك، وعقارات عمارات بالمدن ومزارع في الريف وسندات ديون على الغير، وفي شكل ممتلكات عامة تمثلها اسهم في المؤسسات العامة الحكومية والشركات والبنوك.

جاءت مذكرة الاتهام الصادرة من وزارة العدل الاسرائيلية بسرقة العرب لاموال اليهود المهاجرين الى اسرائيل عامة موجهة لكل الدول العربية بدون استثناء، غير ان المحامي العام لاسرائيل لاحظ ان هناك دولاً عربية لا علاقة لها باليهود المهاجرين مما استوجب تعديل مذكرة الاتهام لتشمل فقط المغرب ومصر والعراق واليمن. واسرعت وزارة العدل الاسرائيلية الى فتح سجل ضخم عن اموال اليهود عند العرب تحت مسمى «حملة اعادة اموال اليهود المسلوبة من الدولة العربية» تمهيدا للمطالبة بها من خلال الامم المتحدة أو بواسطة الولايات المتحدة الامريكية، على امل ان تكرر واشنطن دورها الذي اتخذته حيال قضية ذهب اليهود عند سويسرا مع قضية اموال اليهود عند العرب، وكلتاهما قضيتان باطلتان، غير ان اسرائيل استطاعت بدعم من امريكا الحصول على تعويضات عن ذهب ليس لها بعد ان اثبتت البنوك السويسرية ان الذهب الالماني في خزائنها قام ببيعه عليها مستشار الرايخ الثالث النازي ادولف هتلر طلبا للسيولة النقدية لينفق على جيشه. وبرر التعويض لاسرائيل بأن الحكم النازي قام بمصادرة ذهب اليهود قبل بيعه للبنوك السويسرية، وتأمل اسرائيل توظيف هذه السابقة مع سويسرا للحصول من العرب على اموال ليست لها لان اليهود المهاجرين من الاوطان العربية قاموا ببيع كل ممتلكاتهم قبل هجرتهم منها الى اسرائيل.

ليست هذه الحملة الحالية المطالبة بأموال اليهود عند العرب الاولى من نوعها، فلقد سبقتها حملات مماثلة سابقة لأكثر من مرة عبر مراحل زمنية مختلفة من عمر اسرائيل، ولكنها لم تخرج الى النور وتجسد على ارض الواقع بسبب غياب الوثائق الثبوتية لحق اليهود في أموال عند العرب، بل ويدحض هذا الادعاء صكوك البيع لممتلكات اليهود في محاكم الدول العربية الاربع المغرب ومصر والعراق واليمن التي تثبت بأن اصحابها اليهود قاموا بانفسهم ببيع كل ممتلكاتهم وخرجوا بارادتهم من تلك الاوطان العربية ومعهم اموالهم كاملة غير منقوصة.

في ذاكرتي قصة ترجع الى عام 1950 اثارت ضجة في القاهرة بالرسالة التي تركها اسحاق اسكنازي احد اثرياء يهود مصر مع حطام سيارته المحروقة امام منزله بحي العجوزة في القاهرة. قال في رسالته بانه قام ببيع كل ممتلكاته وتحويل كل ثروته الى بنك «سوسيتي جنرال» في باريس، ولجأ الى حرق سيارته المرسيدس بعد ان تعذر عليه بيعها، لعدم رغبته في تركها لأحد «الاغيار» من أهل مصر، واخفى جريمته باشعال النار في طريق عام، باستدعاء الشرطة ليثبت امامها بأن السيارة حرقت قضاء وقدرا قبل يوم واحد من مغادرته القاهرة الى باريس في طريقه الى تل ابيب بعد ان قرر الهجرة الى اسرائيل، واذا رجعت مصر الى سجلاتها في عام 1950 لوجدت بها ما يثبت هذه الواقعة التي قام بها اسحاق اسكنازي، وعرفتها اثناء دراستي بالقاهرة.

تعرف اسرائيل بأن ما حصلت عليه من تعويض عن ذهب اليهود عند سويسرا، لا يمكن تكراره بحصولها على تعويض عن ممتلكات اليهود عند العرب لأنهم قاموا ببيع ممتلكاتهم بانفسهم وحصلوا على كامل قيمتها فلا مجال لتعويضهم عن ما قاموا ببيعه بموجب سجلات كتاب العدل لدى تلك الدول العربية.

تصعيد مشكلة اموال اليهود عند العرب في هذه الايام جاء بقرار من رئيس الوزراء الاسرائيلي اريل شارون بهدف سياسي يرمي الى مقايضة حقوق الفلسطينيين الذين هجروا من بلادهم في سنة 1948 بحقوق اليهود في ممتلكاتهم التي تركوها في داخل الوطن العربي عند هجرتهم منه الى اسرائيل التي اطلق عليها الوطن القومي اليهودي. يتضح هذا المسار السياسي مما اعلنه وزير العدل الاسرائيلي مائير شطريت بأن اللاجئين الفلسطينيين في الوطن العربي بعد اخراجهم من اسرائيل، يقابلهم لاجئون يهود الى اسرائيل بعد اخراجهم من الوطن العربي. وفي ذلك قلب متعمد للحقائق لجأت اليه اسرائيل لتصف المهاجرين بارادتهم الى اسرائيل باللاجئين اليها لمساواتهم باللاجئين الفلسطينيين الذين اخرجوا عنوة من وطنهم بدون ارادتهم وفرض عليهم العيش في مخيمات تفتقد كل وسائل الحياة الصالحة للانسان مما يجعل هدف هذه الحملة الاسرائيلية التي ترفع حقوق اليهود عند العرب تبديل التعريف الشائع «المهاجرون من البلاد العربية» الى «اللاجئين من البلاد العربية» ليس لاثبات الحقوق الباطلة لليهود عند العرب، وانما لالغاء الحقوق الصحيحة للفلسطينيين عند اسرائيل بعد ان ضيق الخناق عليها بضرورة تعويضهم.

رحب الياكيم روبنشتاين المستشار القانوني للحكومة الاسرائيلية بالحملة الحالية المطالبة بحقوق اليهود عند العرب، واعلن بأنه أثار هذه الحقوق اليهودية اثناء مباحثات كامب ديفيد الثانية وايده في هذه الحقوق اليهودية الرئيس الامريكي آنذاك بل كلينتون بقوله: لا يستطيع احد نكران حقوق المهاجرين اليهود عند العرب عند بحث حقوق اللاجئين الفلسطينيين عند اسرائيل، وطالب بتسويتهما عن طريق المقايضة، ورد عليه الفلسطينيون بأنهم غير مسؤولين عن هذه الحقوق اليهودية عند الدول العربية، فإن كانت لكم حقوق عندهم فاطلبوها منهم ولا تقايضوننا بها مقابل ما لنا من حقوق للاجئين عندكم، فالقضيتان منفصلتان لأن اطراف النزاع فيها مختلفون، فتستحيل مقايضة حقوق للطرف الفلسطيني عند اسرائيل بحقوق تدعي اسرائيل انها لها عند طرف عربي لان المقايضة تقوم بين ما لك وما عليك مع دولة واحدة.

لم يكتف الياكيم روبنشتاين بالحديث عن ما دار في داخل كامب ديفيد الثانية وانما اخذ يؤيد تحويل اليهود من مهاجرين لاسرائيل الى لاجئين اليها ورتب على ذلك حقوقا جديدة لهم بطلبه في حالة قيام صندوق عالمي لتأهيل اللاجئين ان تقسم امواله مناصفة بين اللاجئين الفلسطينيين الفارين من ارض اسرائيل ليعيشوا في الوطن العربي، وبين اللاجئين اليهود الفارين من الوطن العربي ليعيشوا في داخل اسرائيل، ولقي هذا التغير تأييدا مطلقا من وزارة العدل المكلفة بحملة المطالبة بحقوق اليهود عند العرب. واتضح ذلك من اقوال جان كلودنيدم رئيس القسم القانوني بها، التي قررت بان اللجوء في حقيقته يمثل تبادلاً سكانياً بين العرب باستقبال الفلسطينيين عندهم وبين اسرائيل باستضافة اليهود عندها فلا يحق لأي منهما المطالبة بالعودة الى الارض التي خرج منها اما الحقوق المجمدة لهما فيمكن تسويتها بالمقايضة بين حقوق اليهود عند العرب وحقوق الفلسطينيين عند اسرائيل وهي بكل الحسابات تكاد تكون متساوية.

هذه المناورة السياسية الاسرائيلية بها من الفحش في القول الذي يساوي بين اللاجئين الفلسطينيين بعد اغتصاب وطنهم وبين يهود هاجروا باموالهم وارادتهم الى اسرائيل التي اعلنت منذ قيامها بانها الوطن القومي لليهود، ولا يصحح هذا الافك الاسرائيلي الا موقف عربي قوي وصارم على المستوى الدولي، يوضح حقيقة العدوان الاسرائيلي على فلسطين بالاستعمار الاستيطاني الذي استلزم اخراج اهله منه وتوطين اليهود به ولا يمكن مساواة هذا العدوان الاسرائيلي ضد الفلسطينيين بالتسامح العربي مع اليهود اثناء اقامتهم معهم في وطن واحد وعند هجرتهم منه بكل اموالهم وبمحض ارادتهم الى اسرائيل وبالتالي لا مجال للمقايضة بين حقوق وهمية يهودية مع حقوق فعلية مستحقة للفلسطينيين.