فرصة أخيرة للسلام وطريق آخر للتراجع عن الهاوية

TT

خلال الأسابيع القليلة الماضية، التقيت بعدد من الاسرائيليين والفلسطينيين، الذين تواصلوا معي للتشاور، بشأن الخروج من الوضع الحالي الأكثر إثارة للاحباط الذي يعانون منه. فعناوين الأخبار اليومية تبدو غير مبشرة على الدوام، حيث قررت إسرائيل، هذا الأسبوع، الانتقام لمقتل ستة من جنودها عند نقطة تفتيش عسكرية في الضفة الغربية، بمهاجمة عدد من مكاتب ياسر عرفات ومقار الشرطة، وقتلت ما لا يقل عن 16فلسطينيا. وثمة موجة من التصعيد بادية في الأفق، دون أن تظهر أية بوادر على نهايتها.

تبدو وجهة النظر التي تقول بأن الشعب الفلسطيني يعاني هي الأكثر حدة ، لكن أعمال العنف لم تتوقف. كما ان حالة الرعب تظهر بشكل يومي، وتزداد سوءا. فالاسرائيليون لم يعودوا مستبشرين بالسلام والأمن، ويدركون انه لا يوجد حل عسكري لمشكلتهم مع الفلسطينيين، لكنهم في الوقت نفسهم لم يتأكدوا من شريكهم في السلام. وبالنسبة لهم، فأن عرفات لم يتمكن من انتهاز الفرصة التاريخية التي أتيحت لحل النزاع. فقد تبنى سياسة شجعت، في أحيان كثيرة، أو غضت النظر، ان لم تكن قد حثت على أعمال عنف في مرات عدة، ولم يكن صادقا في مرات كثيرة. أما اليوم، وبعد مصادرة شحنة السلاح التي نقلتها السفينة كارين إيه، فهم يتساءلون عما اذا كان يريد، او حتى يستطيع، السيطرة على زمام الأمور.

أما الفلسطينيون فيعتقدون ان الاسرائيليين بردود فعلهم العسكرية، يعاملونهم وكأنهم أشباه بشر، انهم يعانون يوميا من الحواجز الاسرائيلية المحيطة بمدنهم وبقراهم. ويعتقدون ان الاسرائيليين غير راغبين في التخلي عن سيطرتهم على الأراضي، ويعتبرون إقامة عرفات الجبرية في رام الله إهانة أخرى، تساهم في زيادة التعاطف معه بدلا من جعله بلا جدوى بالنسبة لهم.

لكن هناك أصواتا فلسطينية أخرى.. هناك أولئك الذين يعلمون ان الانتفاضة مثلت انتكاسة، تؤدي الى قتل الفلسطينيين واقتصادهم ومستقبلهم وآمالهم. يعلمون أن عليهم تبني طريق آخر. فبينما يؤدي الغضب الى مزيد من التأييد الفلسطيني للعنف، كما تشير استطلاعات الرأي ، فإن هذه الاستطلاعات تشير أيضا الى ان أغلبية الفلسطينيين يفضلون السلام.

أما استطلاعات الرأي في إسرائيل، فتشير، قبل كل شيء، الى ان الاسرائيليين يرغبون في وضع حل للمشكلة. انهم لا يودون احتلال التجمعات الفلسطينية، وهم يريدون أن يتحرروا من الفلسطينيين. لكنهم غير متأكدين مما اذا كان الفلسطينيون مستعدين لتعويد أنفسهم على العيش مع إسرائيل في سلام.

في ظل هذا المناخ، لا تبدو احتمالات التفاوض على حل رسمي ممكنة في المدى القريب. لكن من المهم محاولة اعادة بناء نوع من الامكانية والأمل. ومن أجل ذلك لا بد من تبني اجراءات تقليدية وغير تقليدية. ونقطة البداية يجب أن تتمثل في وقف العنف. ومازلت أعتقد ان الرئيس عرفات معني بالقضية، لأن الفلسطينيين وحدهم يمكنهم تقرير هذه المسألة. لكنني في الوقت نفسه أعتقد بأن عليه أن يثبت للإسرائيليين، ولنا، انه مستعد لأن يتحمل المسؤولية.

وبالنسبة لنا، فان الضغط عليه لكي يعمل، بدون أن نوضح له بأن هناك عواقب لعدم قيامه بالمطلوب، لم يؤد الى نتيجة كما هو واضح. وبنفس الرؤية فان مطالبته بالعمل في أجواء تعد مستحيلة بالنسبة له، لم تحقق نتائج التحذير الجدي.

لقد قال لي بعض الفلسطينيين، ممن أحترمهم، بأنهم يعلمون مايجب عليهم القيام به بهذا الخصوص، ويدركون، بوضوح، بأن عليهم القيام بعمليات اعتقال جادة، وتفكيك منظمات الارهاب، وتجميع الأسلحة غير القانونية، والعمل بشكل جاد من أجل منع أعمال الارهاب. ويقولون بأنهم بحاجة الى أن تتوقف اسرائيل عن القتل المقصود، وأن تنهي حصار الشعب الفلسطيني لعشرة أيام، لكي يتوفر ظرف يمكنهم خلاله البدء باتخاذ هذه الخطوات.

هل سيفعلون ما يقولونه؟ لست متأكدا من ذلك. ولا أستطيع القول بأن أسرائيل لن تعرض نفسها للخطر اذا ما وافقت على طلب الأيام العشرة. لكنني أعلم بأنها لا تملك الأمن اليوم ولن تملكه بعد عشرة أيام من اليوم اذا لم تعدل موقفها.

أعلم أيضا، ان منح الفلسطينيين عشرة أيام قد لا يغير شيئا. وهذا هو ما سيجعلني أوضح ان هناك عواقب لمنح القيادة الفلسطينية ـ منح عرفات ـ فرصة أخرى أخيرة.

فمتطلبات العمل يجب أن تكون واضحة، وعلينا أن نقول للمصريين والسعوديين والأردنيين ولحلفائنا الأوروبيين، بأننا أقنعنا الأسرائيليين بوقف هجماتهم لمدة عشرة أيام، وبأن على عرفات أن يعمل، وانه اذا لم يعمل فسنوقف علاقتنا به. وهذا لا يعني قطعها، وسوف يتسنى استئنافها بالعمل. اما فيما عدا ذلك، فاننا نكون قد أطلقنا تصريحا مفاده انه بينما لا نستطيع اختيار القيادة الفلسطينية، نستطيع اختيار أن لا نتعامل مع زعيم يرفض أداء أبسط متطلبات مسؤوليته.

وبالاضافة الى مطالبة الإسرائيليين بأن يمنحوا السلطة الفلسطينية عشرة أيام لكي تثبت بأنها ستقوم بالمطلوب، فقد حان الوقت بالنسبة للاسرائيليين لكي يراجعوا موقفهم تجاه الشعب الفلسطيني. فاسرائيل لا تملك فقط الحق، بل أيضا من واجبها توفير الأمن لمواطنيها. لكن لا بد أن تكون هناك طريقة توفر من خلالها الأمن للإسرائيليين بدون الحاق الأذى بحياة الشعب الفلسطيني. وذلك يعد من مصلحة اسرائيل، بغض النظر عما اذا كانت السلطة الفلسطينية تعمل أم لا. انه أيضا من مصلحتنا.

هناك شيء أخر يمكننا القيام به يمكننا تدشين حملة انسانية كبرى لصالح الشعب الفلسطيني. وهذه لن تحل مكان العملية السياسية، بل ستمثل ردا على حالة يعيش خلالها أكثر من نصف الشعب الفلسطيني تحت مستوى خط الفقر. ويمكن اقناع دول الخليج التي تزعم بأنها تشعر بقلق شديد لما يحدث للفلسطينيين، بأن الوقت قد حان لكي تحول كلماتها الى أموال. ويمكن أن نتوجه بهذه المبادرة الأميركية ـ العربية المشتركة، من خلال ألية جديدة وأن نضمن ذهاب المساعدة والاستثمارات مباشرة لأولئك الذين يحتاجونها بحق ويمكنهم الاستفادة منها.

وأخيرا، حان وقت استخدام أساليب غير تقليدية. فمع حيرة العديد من الاسرائيليين والفلسطينيين المتعلقة بوجود حل، حان الوقت لبذل جهود غير رسمية، جهود شعبية بحيث تقام منتديات يتحدث فيها الفلسطينيون والاسرائيليون عن معاناتهم وآلامهم التي سببوها لبعضهم البعض.

يضاف الى ذلك، وكما تحدثوا معي، هناك اسرائيليون وفلسطينيون يعتقدون ان بامكانهم وضع تصور لحل عادل، دعونا نمكنهم من فعل ذلك. دعونا نسمح للاسرائيليين أن يتعرفوا على فلسطينيين لديهم استعداد للتعاون معهم ولتقديم تنازلات صعبة تستجيب لحاجات الاسرائيليين. دعونا نسمح للفلسطينيين أن يتعرفوا على اسرائيليين لديهم استعداد لوضع حد لسيطرة اسرائيل على حياتهم. لنسمح لهم أن يثبتوا ان التعايش السلمي ليس وهما. لنسمح لهم أن يثبتوا بأن هناك طريقا أخر. لنسمح لهم أن يثبتوا أن هناك ما يدعو للتراجع عن الهاوية.

* الكاتب كان منسق الشرق الأوسط إبان ادارة الرئيس كلينتون، وحاليا يعمل مستشارا لمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»