المبادرة السعودية والأفكار الأوروبية

TT

يؤكد المسؤولون الاميركيون من مختلف المستويات وفي جميع المناسبات على سياستهم المتمثلة في الحفاظ على امن اسرائيل، وعلى تأييدهم السياسي والعسكري والمالي لها، وهو امر معروف، وسياسة معلنة ثابتة.

وفي العلاقات بين الدول، من حق اية دولة ان تختار صداقاتها ومعاملاتها مع حلفائها، ولا يملك احد ان يملي على اميركا علاقاتها، لكن في الامكان التأثير على سياساتها. فالأمر عندما يتعلق بالدور الاميركي في عملية السلام، تكون هناك حاجة الى تدخلات من اطراف اخرى لإحداث نوع من التوازن في الوساطات والطروحات، اذا كان للسلام ان يتحقق على اسس فيها شيء من العدل الذي يضمن عدم تجدد النزاع، ويراعي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ذلك ان واشنطن تبدو عاجزة حتى الآن عن التحرك كوسيط نزيه غير منحاز الى طرف ضد الطرف الآخر، بسبب الموقف السياسي المعلن من التأييد المطلق لاسرائيل وأمنها، وكذلك بسبب تأثير اللوبي الاسرائيلي في القرار الاميركي. ومثل هذا الكلام لا يصدر عن العرب وحدهم بل يسمعه المرء ايضاً من الساسة الاوروبيين الذين باتوا يعبرون علناً عن تبرمهم من بعض توجهات السياسة الاميركية في المنطقة. ومن هذا المنطلق انتقد الاوروبيون حديث واشنطن عن «محور الشر»، وعن تلويحها باستخدام القوة ضد العراق وايران، على اساس ان هذا الكلام يجعل اميركا تبدو كمن يخوض حرب اسرائيل نيابة عنها، وليس كمن يقوم بحملة اميركية لحماية الولايات المتحدة.

فكوريا الشمالية والعراق وايران لا تشكل محوراً آيديولوجياً او سياسياً، كما انه لا يمكن التعامل مع الدول الثلاث بسياسة واحدة لا تراعي الظروف المختلفة في كل بلد، ولا الاعتبارات الاقليمية والتحذيرات الصادرة من دول المنطقة من مغبة سياسة «محور الشر» الاميركية. كذلك هنالك سؤال مشروع: لماذا الحديث عن اسلحة الدمار الشامل في العراق وايران، وعن التسلح السعودي او المصري والسكوت عن اسلحة الدمار الاسرائيلية؟ واذا كان الاميركيون يقولون ان العراق نظام غير مسؤول استخدم اسلحة الدمار الشامل من قبل، فإنه يجب تذكيرهم بأن اسرائيل ايضاً استخدمت «السلاح الكيماوي» في محاولة اغتيال خالد مشعل، ولن تتورع عن استخدامه على مستوى اكبر اذا احست «بتهديد».

وفي ما يتعلق بعملية السلام في الشرق الاوسط يبدو الجانبان العربي والأوروبي مقتنعين بضرورة إحداث نوع من التوازن في «الوساطة الاميركية»، وذلك بصدور مبادرات او طرح افكار جديدة لتحريك عملية السلام واقناع الجانب الاميركي بتبنيها. فالولايات المتحدة لا تستطيع وحدها تحقيق «سلام عادل» في ظل الضغوط والظروف الراهنة، ومن دون مشاركتها لا يبدو ان هناك املاً في تحقيق اية تسوية، وفي الضغط على اسرائيل لقبولها.

من هنا تنبع اهمية المبادرة السعودية الاخيرة، التي رمت حجراً في البركة الساكنة، ونفخت روحاً جديدة في عملية السلام الميتة منذ فترة. فالمبادرة تشكل نقطة انطلاق قوية ستكتسب زخماً اكبر اذا تبلور الاقتراح الاردني في طرحها على القمة العربية في بيروت، لتبنيها بحيث تصبح موقفاً جماعياً. كذلك فان المبادرة ستحتاج الى ان تأخذ شيئاً من الافكار الاوروبية لاعطائها بعداً دولياً يساعد في اقناع واشنطن بها، وفي دفع اسرائيل الى عدم وضع العصا في عجلاتها. فالمشاركة الاوروبية ضرورية مثلما كان الامر في مؤتمر مدريد وفي اتفاقات اوسلو، وهي مهمة لإحداث توازن في الدور الاميركي الذي لا غنى عنه، اذا كان لهذه الجهود أن تؤدي الى نتيجتها في تحقيق السلام.