شارون والأرض

TT

كنا نتمنى ان يصل ارييل شارون الى رئاسة وزراء اسرائيل، فهو رجل سيئ السمعة. اذ انه اسهل علينا نحن العرب، الذين يقال عنا اننا بلا سمعة حسنة، ان تكون كفتنا موازنة ان لم تكن راجحة على الاسرائيليين في مسابقات الجمال السياسي. ومثل اعمال السحر والشعوذة كان لا بد من شرير يأتي حتى تصبح الامور واضحة. وجاء الشرير بعد ان سقط العسكري السياسي اللامع ايهود باراك الذي كان مقبولا شكلا ومضمونا في الساحة السياسية العالمية. بالفعل حقق شارون توقعات السحرة، فهو شارون عام 82 الرجل الذي تسبب في مذبحة صبرا وشاتيلا، لكن واجهت سحرة شارون العرب ثلاثة جوانب. الجانب الأول انه ارتكب جرائمه ضد العزل والمدنيين من دون ان تثير افعاله تلك حفيظة العالم، بعكس ما توقعناه وبخلاف سيناريو صبرا وشاتيلا الذي هز الاسرائيليين فأسقطوه وحاكموه بعدها. الجانب الثاني هو أننا توقعنا وتوقع السحرة ان اسلوبه وسمعته وفعله كافية لجعله سياسياً منبوذاً عالمياً، وصار التصور حقيقة حيث رفض الرئيس الاميركي مقابلته بسبب أفعاله السيئة لكن الامر لم يدم طويلا. الجانب الثالث كنا نعتقد انه من الافضل ان نحاور ونفاوض ليكودياً، على اعتبار ان باراك وبيريس عماليان، لتوقيع السلام معه لأنه توقيع مع الصقور انسجاما مع الحكمة التي تزعم ان حزب العمل يشن الحروب وحزب الليكود يفاوض على السلام.

كانت ظنون البعض ان شارون بسمعته السيئة وضغوط العالم الكاره له ستتمخض عن عمل سياسي يكمل ما بدأه شامير وسار فيه باراك وينتج سلاما افضل من اوسلو. فانتازيا عاشت فقط في مخيلة الذين حاولوا علاج المعضلة السياسية المعقدة جدا بلعبة الاحزاب والسمعة السيئة واعتقدوا ان العمل السياسي ان لم يتقدم في نشاطه فهو لا يتراجع وهذا ليس صحيحا. شارون دمر عملاً سياسياً وبنية تحتية وعلاقات اجتماعية بنيت بالعرق والدم طوال عقد كامل اعتقادا منه انه يستطيع ان يفعل بالضفة وغزة ما فعله ببيروت، باقصاء منظمة التحرير الفلسطينية الى ابعد مكان في العالم العربي. ان القضية الفلسطينية لا تحل بالمراهنة على السمعة الحسنة او السيئة لكن يمكن ان تحل فعلا بالعمل الحسن ويمكن ان تدمر بالعمل السيئ. وشارون الذي راهنت الاغلبية الاسرائيلية، وكان مفيدا ان تراهن عليه في فترة ماضية حتى تكتشف الحقيقة، من اجل تحقيق امنها اكتشفت ان عهده كان اكثر دموية. هذا هو حال معسكر الحرب، اما معسكر السلام في اسرائيل فقد سكت بعد ان اصيب باحباط في مناسبتين واحدة بعد فشل مفاوضات السلام والثانية بعد ظهور العمليات الانتحارية. الآن امام اسرائيل اما الاستمرار في الحرب، وهو ما يحدث اليوم، او الاتجاه نحو السلام. امام الاسرائيليين حقيقة اكيدة وهي ان الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة امر محتوم وعليهم ان يقرروا كم يرغبون في دفع الثمن والوقت للاحتفاظ بالأرض. الاسرائيليون فعليا هم اصحاب القرار وهم من يدفع ثمنه ايضا.