أحبوا الإبل وهاموا بالخيول

TT

احبت العرب النوق وهامت بالخيل. رأت في الناقة، الابن البكر في العائلة، الذي يذهب مبكراً الى العمل ويجني المال ويساعد والده في تكفل بقية العائلة، ورأت في الحصان الابن الوسيم، الجميل، المثير لاعجاب الجميع وغيرة البعض. ومن الفرس اشتق الفارس لكن من الهجين اشتق الهجان. والفارس في كل اللغات، هو الفروسية اي الكرم والخلق والتضحية والشجاعة وحياة النبلاء، والفرسان هم اساطير الشعوب، من عنترة العبسي الى «الفرسان الثلاثة» في رواية الكسندر دوما والتراث الفرنسي، الى دون كيشوت في اسبانيا الى «ديف كروكيت» في الحكاية الشعبية الاميركية، الى «الترويكا» الروسية، اي العربة التي تجرها ثلاثة افراس بيض.

الناقة شيء آخر. انها عربة الحياة في الحياة، لا في الحرب، وهي اخت المشقة ورفيقة الوحدة الطويلة وخارقة الكثبان، وهي، قالت العرب، «الذلول». يمسك ولد صغير برباطها ويهدهد عنقها الطويل ويطلب منها الاناخة، فتركع فوق مياسمها الضخمة مثل هرة صغيرة اغراها دفء الداخل في ليلة باردة.

انها عربة الحياة في الحياة. قال لورانس العرب في مقدمته لرحلة تشارلز (خليل) دوتي في الجزيرة، ان العربي يغني لناقته ويطعمها ويدللها في المشاق الطويلة لأنها سرّه، فإن هي نفقت في فضاء الصحراء، مات هو. الانسان لا يستطيع ان يعبر الصحاري الطوال الا الى سنام. او بين سنامين.

واعجبت العرب بالخيول حتى وضعت لها «أصولاً» كالقبائل نفسها. ويقال انها خمسة: المعنَّقي والحمداني وكحيلاء العجوز والعبيّا والصقلاوي جدران. وتلك هي، حفظك الله، الخيل العراب وما ندّ عنها فهو هجين. وفي الحديث المسند ان ظهرها هز وبطنها كنز وان خير المال فرس في بطنها فرس وراءها فرس وان الخير معقود في نواصي الخيل الى يوم القيامة.

وللخيل خصال، ابرزها الوفاء للفارس، فلا تتركه اذا سقط. وتحمله الى اهله باسنانها اذا هوى وعجز. ويقال ان الفرسان العرب كانوا يؤثرون الخيل باللبن على عيالهم، فاذا غزوا وغنموا كان للراجل سهم وللفارس اثنان، فالخيال والمطية واحد. وقيل ان العربي يبذل لضيفه كل شيء الا ثلاثة: عرضه وسلاحه وفرسه. وقد شذ عن ذلك حاتم الطائي الذي نحر فرسه لجارته الجائعة واطفالها، وقال لها: اقتطعي واشتوي.

واتابع احياناً سباقات الخيل في الرياض ودبي وسواها. واتتبع خصوصاً الاسماء التي تطلق عليها. وهي مضحكة في بيروت (بطل البر والبحر). وكانت اشهر الاسماء عند العرب الادهم والاشهب والازرق والكُميت، وهو الاشقر الاسود الذيل، والمحجل والابقع. ولم تكن نتائج السباق بالارقام كما هي الآن (اول، ثاني، ثالث) بل كان الاول المجلي والثاني المصلي والعاشر السكيت، اما الاخير فهو الفسكُل.

كلاهما عنوان من عناوين الصحراء: الإبل والخيل. الاول، ذهب مثلاً للصبر والصمود والقوة، والثاني للاصالة والنبل والجمال. وقيل (حول العالم) انبل الخيل اعرابها. وقد كتب ارنست همنغواي اوائل القرن العشرين ان من عاش فترة في باريس حملها معه طوال العمر. وقبله كتب تشارلز دوتي اواخر القرن التاسع العشر «اذا ما عاش احدنا لأي وقت مع العرب فسوف يخامره بقية العمر الشعور بطعم الصحراء».