الفجر يطل

TT

جاءت مقترحات الامير عبد الله لانهاء النزاع العربي الاسرائيلي من أروع المبادرات التي سمعنا بها في السنوات الأخيرة. وهي تذكرني بما يقوله الانكليز للأم عندما تدمع عيناها وهي تودع ابنتها عند زواجها: «لا تقولي خسرت بنتا بل قولي كسبت ابناً». ستحتاج اسرائيل لمن يقول لها ذلك لاقناعها بالمقترح السعودي. ستخسر الارض المحتلة وتكسب العالم العربي. ولربما يحتاج العرب ايضا لمن يذكرهم بذلك. كل عقلاء اسرائيل يدركون ان الارض المحتلة عبء عليها، لا تهدد امنها وسلامها فقط بل وتهدد هويتها اليهودية على المدى البعيد، وأكثر من ذلك اخذت تلطخ سمعتها كدولة ديمقراطية تحترم الشرعية وحقوق الانسان. ومن وراء ذلك، اخذت ايضا تحرج الطوائف اليهودية في العالم وتحيي معاداة السامية ضدهم. الرائع في مبادرة الامير عبد الله توقيتها الموفق، فقد شاعت في وقت بدأ الاسرائيليون يرون ان شارون وسياسة اليد الحديدية لم ولن تنجح في قمع المقاومة الفلسطينية وتحقيق الأمن.

الانسحاب هو المنجى الوحيد لاسرائيل. فاذا ضمت الارض المحتلة اليها فسرعان ما ستواجه اكثرية عربية تلغي هويتها اليهودية وتحملها أوزار التمييز العنصري مع كل ما يجر اليه ذلك من مشاكل وصراعات. ابقاء الارض المحتلة بشكلها هذا يعطيها صفة الاغتصاب ومخالفة اتفاقيات جنيف بشأن حكم الاراضي المحتلة ومواجهة المقاومة والانتفاضة، بعبارة أخرى يحرمها من الأمن الدائم ويقطع عليها سبيل التفاهم مع العالم العربي.

من الزاوية العربية، وعندما ننظر الى الوراء بموضوعية وعقلانية نجد ان اكبر غلطة وقعنا بها كانت رفض قرار الامم المتحدة لتقسيم فلسطين. ليس ذلك لأنه ادى الى خسارة المزيد من الاراضي وتقوية اسرائيل في سائر الميادين، بل ولأننا فوتنا على انفسنا فرصة عظيمة. لقد كان العالم العربي متأهبا لانطلاقة حضارية واقتصادية هائلة، لا سيما بعد تدفق ثرواته النفطية، لو قبلنا بوجود الدولة اليهودية، على ما انطوى عليه تأسيسها من ظلم، وتجاوزنا المبادئ الخيالية والنزعة النفسية، ومددنا ايدينا اليها تدريجيا نحو صياغة كتلة شرق اوسطية، أو كما حلم السياسي الاسرائيلي أوري افنيري، كتلة للشعوب السامية لاستطعنا الاستفادة من النفوذ الاسرائيلي العالمي ومن خبراتها وامكاناتها كما استطاعت هي الاستفادة من اسواقنا وثرواتنا وامكاناتنا. كان بامكان هذه الكتلة السامية ان تصبح ثالث أو رابع كتلة اقتصادية في العالم، ولكنّا قد انطلقنا على مسار الحياة الديمقراطية والتحضر وخلق مدنية جديدة رائعة.

بدلا من ذلك، جرنا النزاع الى استنزاف مواردنا واستشهاد مئات الألوف من شبابنا وعرقلة التطور الديمقراطي والبناء الحضاري. اصبح شعار تحرير فلسطين ذريعة للانقلابات العسكرية وانعدام الاستقرار وشيوع الارهاب والهيمنة الدكتاتورية التي ادت بدورها الى هجرة الادمغة والمواهب وانهيار المجتمع كليا في معظم بلداننا.

كانت غلطة يتحمل مسؤوليتها بصورة خاصة المثقفون العرب. السؤال الآن أيمكن الرجوع عنها، والرجوع عن الخطأ فضيلة؟ هذا ما يحدونا الى اعادة النظر، والكتاب المقدس يقول من يحبه الله يعينه على تصحيح خطئه. فلا أمل لنا قط باصلاح بيتنا واستئناف مسيرتنا طالما بقي هذا النزاع طوقا حديديا في رقابنا.