خطاب أميركي جديد

TT

يحتوي خطاب الرئيس الاميركي جورج بوش الذي صورته وسائل الاعلام كوثيقة سياسية بالغة الاهمية، والذي ألقاه يوم الاثنين الماضي، على كثير من القضايا التي تستحق التعليق.

كان الخطاب بمناسبة مرور ستة اشهر على هجمات 11 سبتمبر (ايلول) المأساوية في نيويورك وواشنطن. وكان الغرض الاساسي منه، كما هو متوقع، تصعيد حالة التعبئة العامة وسط الشعب الاميركي من اجل مواصلة الحرب ضد الارهاب. واهمية الخطاب تنبع من اعتبارين على الاقل:

ـ الاول: هو ان الرئيس الاميركي اوضح انه مستعد لمواصلة الحرب ضد الارهاب لأطول فترة ممكنة، طالما ظل هذا ضروريا. ويعتبر هذا مسلكا مختلفا عما عبرت عنه الولايات المتحدة اخيرا. وقد تدخلت الولايات المتحدة عسكريا في مناسبات عديدة، منذ هبوط مشاة البحرية في الاراضي اللبنانية عام 1958، ومهام فرض السلام في البلقان، وحتى حرب الخليج من اجل تحرير الكويت عام .1991 في كل هذه المناسبات اختارت الولايات المتحدة تدخلات قصيرة وسعت الى تحقيق نتائج سريعة. وغالبا ما كانت استراتيجية الانسحاب، في هذه التدخلات، اكثر اهمية من النتائج المرجوة. وبناء على ذلك استنتج الكثيرون ان القوة الاميركية شبيهة بعاصفة مدارية عاتية، تكتسح كل شيء ولكنها لا تدوم طويلا. ويكفي بالتالي ان يحنى البعض رؤوسهم للعاصفة لينعموا بعدها بالسلامة.

اما الآن، واذا حكمنا بما جاء في خطاب بوش، فان الولايات المتحدة قررت ان تبقى حتى ترتفع الرؤوس المحنية من جديد. وقد استيقظ كثير من الاميركيين على حقيقة ان لهم اعداء لا حصر لهم في هذا العالم وان التعامل معهم ، سواء بالقوة او العمل السياسي والدبلوماسي، سيستغرق وقتا طويلا. وهذا يعني في الواقع ان الولايات المتحدة اصبحت حليفا يمكن الاعتماد عليه، اكثر مما كان عليه الامر على مدى جيل كامل.

ـ الثاني: هو ان بوش قصد التركيز على اهمية الدور الذي لعبه الحلفاء في الحرب ضد الارهاب. وكانت 150 دولة قد ساعدت في الحرب ضد الارهاب، اشتركت 32 منها بارسال قوات مسلحة. وقال بوش انه كان مدركا لاتهامات بالتصرف المنفرد التي يوجهها البعض لاميركا، بمن فيهم قلة من دول الاتحاد الاوروبي. وتوضح الزيارة التي يقوم بها نائب الرئيس ديك تشيني حاليا ان الولايات المتحدة عازمة على التشاور مع الحلفاء حول كل ما يخص المراحل اللاحقة للحرب ضد الارهاب.

وتنبع اهمية خطاب بوش كذلك من نقاط لم يتعرض لها. فهو لم يكرر شعار «محور الشر»، الذي اثار كثيرا من الجدل قبل عدة اسابيع. كما لم تصدر عنه اية اشارة لاسترضاء مجموعات الضغط التي ترغب في شن هجوم سريع على العراق. ولكن المحزن في خطاب بوش هو انه لم يحوِ افكارا جديدة حول كيفية انهاء النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني.

استطاع بوش ان يغطي بعض النقاط بصورة جيدة. ولكن نقاطا اخرى ما تزال تنتظر الصياغات المتكاملة. وما على العالم الا ان يراقب وينتظر.