قمة الأمير عبد الله... و«الفيتو» الشاروني بعد «الفيتو» الأميركي

TT

ما هو معروف ان هنالك خمس دول في العالم تتمتع بامتياز استعمال حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن عند التصويت على اي قرار. وهذه الدول المصنَّفة كبرى ودائمة العضوية في المجلس هي الولايات المتحدة والصين وروسيا (التي كانت الجزء الاكبر من الاتحاد السوفياتي الذي تساقط) وبريطانيا وفرنسا.

وفي ضوء تطورات النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي والصراع العربي ـ الاسرائيلي عموماً يسود انطباع بأن مسألة «الفيتو» هذه إنما تم استنباطها فقط لحماية اسرائيل بدليل ان هذا السلاح لا يُستعمل، ومن دولة واحدة فقط هي أميركا، إلاَّ في حالات تتعلق بالدولة العبرية. فإذا كان هنالك عدوان اسرائيلي، على العرب بالطبع، وتقدمت الدولة العربية المعتدى عليها بشكوى فإن هذه الشكوى في معظم الاحيان مصيرها الرفض بسبب «الفيتو» الذي تستعمله اميركا بالذات لرد الادانة عن اسرائيل مع ان العدوان حاصل ولا يمكن المجادلة في طبيعته، أما اذا كانت هنالك شكوى من اسرائيل على دولة عربية ما فإن هذه الشكوى تلقى من الاهتمام الاميركي ما يجعل ادانة الطرف المشتكى عليه سهلة وقوية.

ومن النادر ان يكون «الفيتو» استُعمل بما يزعج اسرائيل في شيء، الأمر الذي يعني ان هذا السلاح كان من اجل حماية اسرائيل فقط. وعدم استعماله على النحو الموضوعي هو الذي جعل اسرائيل تتمادى في العدوان وتفعل ما تشاء بأراضي الغير واجواء الدول الاخرى ما دامت المسألة لن تنتهي الى اكثر من شكوى وما دام مصير هذه الشكوى هو الصد بسبب «الفيتو» متمثلاً بالمندوب الاميركي الذي يرفع يده للإعلان عن انه ضد مشروع قرار الادانة لاسرائيل.

مع بداية المرحلة الشارونية صار هنالك ما يجوز اعتباره «فيتو» جديدا وصارت اسرائيل الشارونية بالذات العضو السادس في مجموعة الدول التي تملك هذا السلاح التدميري عندما لا يتم استعماله وفق المنطق والعدل. بل انه ليس من المبالغة القول ان «الفيتو» الشاروني هو الأكثر خطراً على الاستقرار الدولي من اسلحة الدمار الشامل ومن تهديدات تنظيم «القاعدة» الذي ما زال يشغل البال الاميركي ويتزايد الحديث في شأنه.

ويتمثل «الفيتو» الشاروني برفض كل محاولة جدية للسلام وتطويق اي جهود يكون هدفها فتح ثغرات في الجدار المتصلب المعادي للسلام. وخطورة هذا «الفيتو» ان المجتمع الدولي لا يتصدى له بالشكل الكافي، ومن هنا ان كل محاولة جادة لتحقيق تسوية تتعثر لأن ارييل شارون يقول لها: لا، وعندما يقول فإن المحاولة تتراجع او تتعثر، بدليل ما حدث للمحاولة الفرنسية وللمحاولة الالمانية ولمحاولات اخرى مصدرها روسيا.

هل هذا جائز؟ وهل من المعقول ان يتعامل المجتمع الدولي مع هذا التمرد الشاروني على نحو ما نراه يتعامل، اي الرضوخ للارادة الشارونية الرافضة لأي محاولة تستهدف انقاذ العملية السلمية التي باتت بعد مؤتمر مدريد لا تخص دولاً دون اخرى وإنما تخص كل دول العالم؟

بالطبع ليس جائزاً. و«الفيتو» الشاروني على المحاولات الجادة للتهدئة وإنهاء النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وفتح الطريق امام إنجاح العملية السلمية سيستمر ما دام «الفيتو» الاميركي ضد اي ادانة لاسرائيل المعتدية قائماً. عسى ولعل تكون «الرؤية السعودية» التي طرحها ولي العهد الامير عبد الله بن عبد العزيز هي المحاولة التي في حال طرحها كمبادرة باسم العرب من دون تحفظات من هنا واعتراضات من هناك، لقيت القبول الاميركي بها كصيغة غير مجتزأة فإن «الفيتو» الشاروني سيضعف ثم يذوي بعد ذلك ولا يعود الاستقرار الدولي تحت رحمة سفاح في منصب رئيس حكومة. ومن المهم التوضيح بأن «الرؤية» المشار اليها تبقى مجرد افكار منسوبة الى ولي العهد السعودي ولا يمكن اعتبارها مبادرة ما دام ليس هو من اعلن نصها.

وهذا الوضع الشاذ برمته هو ما نفترض ان القمة العربية الدورية الثانية التي ستنعقد في العاصمة اللبنانية والتي ستكون عملياً «قمة الامير عبد الله بن عبد العزيز» اواخر هذا الشهر ستأخذه في الاعتبار وبحيث يكون هنالك نوع من التركيز على انه من غير الجائز ان اي خطوة عربية في اتجاه التسوية تبقى عرضة للتراجع ما دامت مهدَّدة بالموقف الاسرائيلي المتعنت والذي يضع ما يجوز اعتباره «الفيتو» عليها فتتجاوب الادارة الاميركية مع هذا «الفيتو» وتستعمل بدورها «الفيتو» الخاص بها على بقية دول العالم وبالذات الدول الاوروبية. والتركيز الذي نشير اليه هو في اقناع الادارة الاميركية بأن تكون لها سياسة في المنطقة وان تكون اسرائيل تحت سقف هذه السياسة ومنسجمة معها وليس العكس. ونقول ذلك على اساس ان ما نراه هو أن هنالك سياسة اسرائيلية في المنطقة وأن ما يحدث هو أن الادارة الاميركية من خلال التصريحات والشعارات والافكار ومنها ما اصطُلح على تسميته «محور الشر» هي رد الفعل للسياسة الاسرائيلية. وعند التأمل في التصريحات التي يدلي بها مسؤولون في الادارة الاميركية، حول مواقف ورؤى عربية كفيلة بتنشيط العملية السلمية المتعثرة، نجد أنها تتسم في البداية بالتريث الى حين صدور رد الفعل الاسرائيلي. وبعد صدور رد الفعل هذا لا تعود التصريحات على التريث الذي نشير اليه. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن ذلك هو ما حدث بالنسبة الى «الرؤية السعودية» التي ارتبطت باسم ولي العهد الامير عبد الله بن عبد العزيز، حيث ان الموقف الاميركي منها انتظر الموقف الاسرائيلي، وبدل ان يعتبر الشارونيون ان ما يجب عليهم فعله هو إبداء حسن النية وذلك بفك الحصار عن الرئيس ياسر عرفات ووقف العدوان، فإنهم شدَّدوا الحصار وزادوا العدوان واستنبطوا من القرارين 242 و338 ما من شأنه تعزيز احتلالهم معتمدين على حذاقة اللورد كارادون في صياغة القرار .242 كما انهم اقترحوا لقاءات سعودية ـ اسرائيلية واتصل شارون بالرئيس حسني مبارك لتأمين هذا اللقاء. وبعدما حدد هؤلاء رد فعلهم هذا جاء الموقف الاميركي متمثلاً بإطراء «الرؤية السعودية» فقط لأنها تضمنت كلمة «التطبيع» وأنها لم تأت على ذكر حق العودة وكأنما «الرؤية» ليست في الدُرج وليست عند الكشف عنها كاملة لن تخيب الظن الاسرائيلي واولئك الذين بالغوا في التفسير ومن دون ان يأخذوا في الاعتبار ان التطبيع هو نهاية وليس بداية وانه مشروط بتحقيق خطوات كثيرة تتعلق بالارض وبالشعب الفلسطيني. كذلك لم يأخذ هؤلاء في الاعتبار كيف ان صاحب الرؤية الامير عبد الله شديد الحساسية من مسألة التطبيع الذي يسبق الحل العادل والشامل وبحيث يرضي هذا الحل الشعب الفلسطيني ولا يخشاه الصديق السوري الذي على نحو ما كان يرى الرئيس الراحل حافظ الاسد واورثه الى الرئيس الابن بشار وهو على نحو ما ردده مراراً في منتصف التسعينات الاستاذ عبد الحليم خدام نائب الرئيس المستمر في عهد الرئيس الابن «ان التطبيع معناه سلام مع الشعب الاسرائيلي وحرب من جانب النظام ضد الشعب السوري والشعب الفلسطيني وأنا مع هذين الشعبين الى ان تسلك اسرائيل طريق الصواب...». وبين الذين يستحضرون هذه العبارة واستحضرها بالذات لمناسبة الزيارة التاريخية المفاجئة للرئيس بشار الاسد الى لبنان، رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص الذي عاد قبل ايام من حجه الثالث كواحد من ضيوف الديوان الملكي السعودي حامداً شاكراً نعمة الصحة التي جعلته يؤدي الفريضة للمرة الثالثة مثنياً كثير الثناء على ما بذله الملك فهد على صعيد توسعة وتطوير الاماكن المقدسة فضلاً عن الرعاية الصحية والاجتماعية لضيوف الرحمن.

ويصعب على المرء الجزم بما اذا كانت الادارة الاميركية قادرة او تريد أن تكون لها سياسة إزاء المنطقة تتقاطع في الحد الاقصى مع السياسة الاسرائيلية او لا تساير اسرائيل الى درجة تبنِّي موقفها في الحد الادنى. إلاَّ انه من الواضح ان العلاقة العربية مع الادارة الاميركية ستزداد تعقيداً اذا كان ذلك لن يحدث وإذا كان «الفيتو» الشاروني يواصل الاستهانة بالإرادات الدولية معتمداً في ذلك على ان ما يبدأ يكمله «الفيتو» الاميركي وتلك مسألة لا بد للقمة العربية في حال قيَّض الله لها امر الانعقاد وقد نجت من مفاجآت هي في علم الغيب وبتمثيل يدعم احساس القادة العرب بخطورة المرحلة، ان تناقشها في العمق وبحيث يقال للادارة الاميركية بصراحة ومن خلال اعلان القمة التقليدي ان الامور ستزداد سوءاً اذا كان العرب هم فقط يتصرفون بجدية بينما اسرائيل تتصرف باستهتار... وبينما لا تتصرف اميركا بمسؤولية.