أميركا ونشر الرعب النووي

TT

تقرير «اعادة تقييم الوضع النووي» الذي كُشف عنه في اميركا ونشرته «الشرق الأوسط» يوم الاحد الماضي، يكشف تأثير احداث سبتمبر على العقلية السياسية الاميركية، ويوضح بعدا مخيفا جديدا لتأثيرات تلك الاحداث على حروب المستقبل.

فالتقرير يشير الى ان ادارة الرئيس جورج بوش طلبت من وزارة الدفاع (البنتاغون) اعداد خطط طوارئ لاستخدام اسلحة نووية «اذا دعت الضرورة» ضد سبع دول، ثلاث منها عربية، هي العراق وسورية وليبيا، وواحدة اسلامية هي ايران، والثلاث المتبقية آسيوية هي الصين وكوريا الشمالية وروسيا، (وهذه الاخيرة يمكن ان تصنف على انها آسيوية/ اوروبية).

ومن بين هذه الدول هناك اثنتان فقط تملكان السلاح النووي (روسيا والصين) وبالتالي ليس مستغربا ان تدرس الولايات المتحدة سيناريوهات مختلفة لاحتمال استخدام السلاح النووي اذا نشبت مواجهة معهما. الا ان الامر المفزع هو ان اميركا باتت تدرس احتمال استخدام السلاح النووي ضد دول غير نووية، بل انها تضع الخطط لمثل هذا الاحتمال. ويبدو الامر مخيفا بالفعل اذا وضعنا في الاعتبار ان ادارة بوش تعد لمواجهة تبدو قريبة مع العراق، وهي مواجهة ترد بعض تداعياتها المحتملة ضمن خطط البنتاغون المتعلقة باحتمال استخدام السلاح النووي. اذ ان تقرير «اعادة تقييم الوضع النووي» يحدد ثلاث حالات (او تهديدات كما يصفها التقرير) يمكن استخدام السلاح النووي التقليدي او التكتيكي فيها وهي «ان يكون العدو قادرا على تحمل هجمات غير نووية، او للانتقام من هجوم باسلحة نووية او بيولوجية او كيماوية، او في حال حدوث تطورات عسكرية مفاجئة». فالحكم العراقي استطاع في السابق امتصاص آثار الغارات الاميركية، كما انه رد على الغارات ابان حرب الخليج بقصف اسرائيل بصواريخ سكود. وهاتان الحالتان اذا اضيف اليهما احتمال حدوث تطورات عسكرية مفاجئة، فان ذلك يعني ان اية مواجهة مقبلة مع العراق تحمل في ثناياها مخاطر احتمال استخدام السلاح النووي التكتيكي، مما سيثير حتما المزيد من المعارضة للتحرك الاميركي الرامي الى ضرب العراق.

كذلك فان التوتر الخطير في المنطقة بسبب تصاعد المواجهات بين الفلسطينيين والاسرائيليين وسياسات حكومة شارون المتطرفة والدموية، يضعنا مرة اخرى في دائرة «الخطر النووي» خصوصا ان التقرير الاميركي دعا البنتاغون لان يكون مستعدا بالخطط لاحتمال استخدام السلاح النووي في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وهو استخدام يتم بالطبع لمصلحة اسرائيل التي باتت مصالحها تطغى احيانا حتى على المصالح الاميركية في اطار رسم استراتيجيات البيت الابيض والبنتاغون. ومثل هذا الاحتمال يرفع من عدد الدول العربية المتضررة من تقرير «اعادة تقييم الوضع النووي»، كما انه يضع المنطقة كلها في دائرة الخطر.

ان الادارة الاميركية التي وضعت هذا التقرير بعد اربعة اشهر على احداث سبتمبر، غفلت عن جانب مهم، وهو ان العالم كله أدان تلك الهجمات من منطلق اخلاقي يجعل الارهاب مرفوضا، ويرفض استهداف الابرياء. ومن هذا المنطلق ذاته يدين المرء التفكير الاميركي في استخدام السلاح النووي ضد دول غير نووية، وتأثير استخدام مثل هذا السلاح على المدنيين الابرياء. كذلك فان تفكير اميركا في استهداف هذه الدول نوويا، يرفع عنها الحرج في السعي لامتلاك سلاح ترد به على هذا التهديد خصوصا ان الصراع العربي ـ الاسرائيلي مدرج ضمن احتمالات استخدام اميركا للسلاح النووي.

الا ان الامر الاخطر من هذا كله يتمثل في ان تلويح واشنطن بالسلاح النووي قد يستخدم من قبل جماعات التطرف المعادية اصلا لاميركا، كمبرر للسعي لامتلاك او استخدام السلاح البيولوجي او الكيماوي او النووي البدائي.. وهي معادلة مخيفة، لا للولايات المتحدة وحدها بل للعالم كله.