شارون مستمر في جرائمه وعلى العرب ألا يشتروا سمكا في البحر

TT

بدأ شارون يجامل واشنطن بالتراجع عن مواقف هامشية جدا. وان بدت للبعض انها مواقف هامة.

وبدأ عدد من المحللين، يتحدثون عن تراجع شارون وعن افلاس سياسته وحتى عن قرب سقوطه، والأمر ليس كذلك.

فاعلان شارون عن فك الحصار عن الرئيس ياسر عرفات لا يعني الكثير، سواء للرئيس عرفات او للشعب الفلسطيني. وتنازلات شارون عن الايام السبعة من الهدوء كشرط مسبق لتطبيق رزمة تينيت وميتشل لا يعني الكثير ايضا، فشارون يعلم ان استمرار هجماته الهمجية على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية سوف يعني بالضرورة اللاهدوء، وهو يعلم ايضا ان غياب ياسر عرفات عن القمة العربية التي ستعقد في بيروت سوف يغضب الاميركيين والاوروبيين، ولذلك قرر البدء بالمجاملة في الهوامش حتى لا يجامل في الجوهر.

والجوهر هنا هو انهاء الاحتلال وانسحاب القوات الاسرائيلية الغازية لحدود الرابع من حزيران 1967، والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية.

وهذا ما لا يريده شارون الذي يرفض الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران ويرفض اعادة القدس الشرقية ويرفض اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على الارض الفلسطينية التي احتلتها القوات الاسرائيلية عام 1967.

ولنتذكر معا ان شارون كان الوحيد ضمن الاسرائيليين الذي رفض وعارض اتفاقية كمب ديفيد التي وقعها رئيسه مناحيم بيغن مع الرئيس انور السادات. ويريد شارون من هذه المواقف الهامشية المجاملة لواشنطن، ان تكون غطاء للجرائم البشعة التي يرتكبها هو وجيش الاحتلال ضد مخيمات اللاجئين كما جرى في طولكرم ومخيمات الدهيشة وعزة وعايدة في منطقة بيت لحم، وكما جرى ويجري في قلقيلية، وكما سيجري في بقية مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. انها حرب الابادة والاذلال انها حرب شارون مجرم الحرب ضد الانسانية جمعاء وليس ضد الشعب الفلسطيني فقط.

ما يرتكبه شارون من جرائم جماعية تفوق ما قام به النازيون ضد شعوب اوروبا التي احتلتها القوات الهتلرية. ومعسكرات الاعتقال، هي معسكرات تجميع الآلاف ممن تتراوح اعمارهم بين اربعة عشر عاما وخمسين عاما. وهي تذكرنا طبعا بما ارتكب في الحرب العالمية الثانية من جرائم جماعية واعتقالات جماعية في انحاء اوروبا. ويظن شارون ان مناوراته هذه سوف تحقق له ما يريد. اي ان تعبر الحكومة الاسرائيلية عتبة المفاوضات السياسية، على اشلاء المقاومة الفلسطينية التي يسعى بكل وسائل التدمير الممكنة لتحطيمها وسحقها. (حتى وان اضطر لاعتقال كل الفلسطينيين) وهذا ما لن يتمكن شارون من تحقيقه ابدا.

ونذكر بأن حكومة شامير اعتقلت خلال سنوات الانتفاضة الاولى التي انطلقت في الثامن من ديسمبر (كانون الاول) من عام 1987 اكثر من ثلاثمائة وخمسة وعشرين الف فلسطيني. اي كل القوة العاملة للفلسطينيين في الضفة والقطاع، وذلك على مدى سنوات الانتفاضة، لكن الرياح لن تجري بما تشتهي سفن شارون على الارض الفلسطينية.

والأمر الاكثر اهمية كما قلنا هو التعامل مع الجوهر وادارة الامور بالاتجاه الصحيح وليس الاتجاه الذي يشد شارون الامور نحوه، اي الارض مقابل السلام. رؤية الامير عبد الله بن عبد العزيز لاقامة السلام الشامل، جاءت مفاجئة للحكومة الاسرائيلية، وكان لها تأثير صاعق من حيث المبدأ، كما كان لها تأثير كبير على الرأي العام الاسرائيلي.

ومناقشتها مع الدول العربية قبل انعقاد القمة العربية المقررة في بيروت في السابع والعشرين من هذا الشهر اضفى عليها طابع الجدية الكاملة. ورغم ان النقاش الذي دار تضمن تحويل الرؤية الى مبادرة (وهذا هام جدا) إلا ان المهم هو ان يحرص الجميع على عدم شراء السمك في البحر... اي ان تضمن الدول العربية، خاصة السعودية من خلال علاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة، ألا تسمح لشارون بالتلاعب بهذه المبادرة الجدية، التي اطلق عليها عمرو موسى، الامين العام للجامعة العربية لقب (فرصة السلام الاخيرة). نقول هذا الكلام لأن مسؤولين اسرائيليين عقبوا وعلقوا على رؤية الامير عبد الله بن عبد العزيز مشيرين (بشكل مبكر) الى رفضهم الكلي الانسحاب لحدود الرابع من حزيران (شمعون بيريس) وانهم يريدون مفاوضة السعودية حول اقتراحها قبل اي انسحاب (ارييل شارون). اي انهم يريدون الاعتراف والتطبيع قبل الانسحاب، وانهم يعتقدون ان هذه المبادرة خدعة (ليبرمان).

طبعا قد تكون هذه الآراء المبكرة قد اطلقت من باب التكتيك ومنع التحرك الاميركي لتأييدها بقوة. لكن المؤكد ان شارون لا يريد سلاما مستندا لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، كما اقترحت السعودية، ولا يريد الانسحاب لخطوط الرابع من حزيران، ولا يريد اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، ولا يريد ان تتخلى اسرائيل عن القدس الشرقية المحتلة.

شارون يتحدث عن الرغبة في اقامة السلام، لكنه يعني بذلك ضم الاراضي الفلسطينية وعدم الانسحاب من كامل الجولان المحتل واعطاء الفلسطينيين حكما اداريا ذاتيا محدودا على 42 بالمائة فقط من الارض الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل في عام 1967.

لذلك نقول للقمة العربية، حذار من شراء السمك في البحر.

وكي لا يحصل ذلك، فإن الدول العربية مدعوة للخوض المباشر والتفصيلي مع الادارة الاميركية واوروبا في الضمان الأكيد للاشراف الحازم على تطبيق قرار 242 الذي لا تفسير له سوى الانسحاب الاسرائيلي الى خطوط الرابع من حزيران، وعدم القبول بالتفسير الاسرائيلي لهذا القرار وهو انسحاب اسرائيل من اراض احتلتها عام 1967، اي القرار 242 (حسب تفسيرهم) لا ينص على الانسحاب من كافة الاراضي التي احتلتها عام 1967، بل من جزء منها. وان هذا سيتم حسبما ترتئيه اسرائيل خدمة لأمنها ومصالحها.

الامير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي، قال الاثنين (11-3-2002) ان العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني جريمة لا تغتفر لاسرائيل او لمن يساندها. لذلك فإن المطلوب من الولايات المتحدة التي رأت الرؤية السعودية تحركا سياسيا هاما (يشمل الرؤية الاميركية للحل باقامة دولة فلسطينية مستقلة على الضفة الغربية وقطاع غزة استنادا لقرارات الشرعية الدولية) ان تصدر تعليماتها لاسرائيل قبل وصول الجنرال زيني للمنطقة بوقف حربها المجرمة على المخيمات والمدن والقرى الفلسطينية، خاصة ان الرئيس ياسر عرفات اعلن (يوم الاثنين 11-3-2002) انه على استعداد للعودة للمفاوضات فورا لما في ذلك من حقن للدماء والعودة للغة العقل.

ان مبادرة الامير عبد الله بن عبد العزيز هي اوضح رسالة يمكن ان توجه للولايات المتحدة، وهي دعوة واشنطن لوقف الحرب الاجرامية الشارونية ضد الشعب الفلسطيني فورا، للعودة للتفاوض لتطبيق قرارات الشرعية الدولية والمعادلة الاميركية الارض مقابل السلام.

ولا يمكننا في هذا الاطار ألا ان نقول انه من غير المعقول ومن غير المنطقي ان ترى الولايات المتحدة، وتسمع عن المذابح التي ترتكب في المخيمات، واستخدام كافة انواع الاسلحة الاميركية الجوية والبرية والبحرية ضد شعب اعزل وتستمر في مطالبة الطرفين بضبط النفس. وكأنما القوات الفلسطينية هي التي اقتحمت المناطق الاسرائيلية واعتقلت الآلاف ودمرت البيوت ومقر شارون (كما فعل الاسرائيليون بمقر الرئاسة في غزة).

العرب يريدون السلام، لكنهم لن يقبلوا الاستسلام لمخططات شارون التوسعية. ولا شك ان ديك تشيني سوف يسمع كلاما خلال زيارته للمنطقة نرجو ان يساعده ويساعد رئيسه بوش في وعي الحقائق في الشرق الاوسط. واولى هذه الحقائق هي ان اسناد الولايات المتحدة الأعمى لاسرائيل لن يجر عليها سوى الكراهية. لقد فتح الامير عبد الله بن عبد العزيز الباب على مصراعيه امام واشنطن لتصبح متوازنة في مواقفها، ولكن الابواب التي لم تلج واشنطن منها بسرعة لانهاء الاحتلال الاسرائيلي ستوصد للابد. ولن يجرؤ احد بعدها على الحديث عن هذه المبادرة او العمل على تطبيقها. لقد فرضت التطورات الدامية على الارض الفلسطينية على ديك تشيني ألا يقتصر بحثه مع توني بلير او المسؤولين الاسرائيليين والعرب على حرب واشنطن ضد ما تسميه واشنطن بالارهاب والدول التي تدعم الارهاب وتسعى لامتلاك اسلحة الدمار الشامل.

وبدلت هذه التطورات اولويات جدول اعمال نائب الرئيس الاميركي، وعلى العرب ان يفهموا تشيني بأن جرائم شارون الجماعية ضد الشعب الفلسطيني موجهة ضد كل العرب والمسيحيين والمسلمين في العالم. وان على واشنطن ان تتصرف بما يوقف عمليات الذبح، والانسحاب الاسرائيلي واشاعة الاستقرار والسلام في الشرق الاوسط.